الخميس، 22 سبتمبر 2016

الكوليرا .... و إدارة الأزمات الصحية .


الكوليرا .... و إدارة الأزمات الصحية .

(1)
في العام 1983 م واجه إقليم غرب إفريقيا فجوة غذائية قادت إلي حالة من المجاعة ثأثرت بها  أجزاء من إقليم دارفور لوقوعها ضمن  النطاق الجغرافي   كما زاد من ذلك الأثر  إستضافة الإقليم للاجئين من دول الجوار  الذين دفعتهم ظروف الفجوة الغذائية للجوء، خفف من ذلك الضغط علي الإقليم ذو الموارد الشحيحة  رد فعل الحكومة السودانية بإعلان صريح للأزمة حيث ظلت تناشد الدعم تحت شعار (نداء السودان ) الذي كان التلفزيون القومي السوداني يبث مناشداته ، قاد الإعتراف بالأزمة إلي تدفق المساعدات الإنسانية الدولية ساعدت في الحفاظ علي أرواح الناجين الذين قابلوا ذلك بذاكرة شعبية أرخت لذلك العون الإنساني  حيث لقبت الذرة ب(أفزعونا)  لا تفوت علي حصافة القاري بأن مصدرها (الفزعة و النجدة ) بل مضت ذاكرة التقدير إلي إضفاء لقب اَخر علي الذرة وهو  ( ريغان) في نسبتها للرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريغان) و لعل النحت الأنثربوجي لمدلول اللقب  يعبر عن إمتنان للمساعدة المقدمة ،  لا تزال بعض الأجيال التي عاصرت تلك الحقبة تحتفظ قواميسها بذات اللقب للذرة الحمراء .
(2)
في العام 2014م حين غمرت السيول مناطق و أحياء بمدن العاصمة السودانية الخرطوم التي لا تكاد شبكات الصرف الصحي تغطي 7% من نطاقها ، هبت مجموعة شبابية لإطلاق مبادرة ( نفير) التي إستضافها مركز جسر للتنمية البشرية بالخرطوم لتمضي الجهود التي تمثلت في تقديم العون و المساعدة للمتضريين و لأولئك الذين هددتهم السيول في ملحمة شبابية طوعية  ضمت الالاف من الشباب السوداني ، بل برز خلال الحملة العمق الخلاق للجهد الشبابي في إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي في المساعدة و طلبها ، إلي جانب التنبيه إلي المناطق المتضررة ، مظاهر الأزمة التي تجلت في غمر المياه و إجتياحها لمناطق سكنية ومرافق حيوية مثل الكباري  لم يمكن السلطات من إنكار الأزمة فشكلت إعتراف ضمني .
(3)
من خلال التجربتين الدولية و الوطنية يمكن الركون إلي أن أسباب النجاح تركزت حول الإعتراف الصريح  في الحالة الأولي و الضمني في الثانية ، من الثابت أنه من العسير  في بعض الأحوال  أن تتمكن  الدولة أو السلطات المختصة  مقابلة الكوارث أو  حالات  الطواري لوحدها ،  ولا سيما أذا وضعنا في الإعتبار  حالة السودان التي تعاني من تدهور مريع سواء علي مستوي إدارة الأزمات  وتوظيف الموارد وفقاً للأولويات  ،   بالتالي يصبح من واجب الدولة السعي الحثيث إلي طلب المساعدة من المجتمع الدولي أو الإقليمي أو الطوعي الوطني الذي  يزخر بكوادر فنية  سواء في الداخل أو الخارج علي كفاءة عالية ، لكن كل ذلك يظل رهين بإعلان صريح من جانب السلطات المختصة عن الأزمة و مستوياتها  .
(4)
الإدراك الواعي من قبل السلطات الصحية السودانية  لماهية الأزمة و الدور المناط بها  إلي جانب الإلمام بمفهوم الأدوار التكاملية  للفاعلين الإقليمين و الدوليين أمر مفترض بداهة في من يتولي منصب يرتبط بالتعامل مع الأزمات  ، فتلك الجهود التكاملية أو الاساسية الطارئة التي تقدمها المنظمات الأممية ووكالتها المتخصصة تقف علي أرضية إلتزام أخلاقي تجاه كرامة الأنسان في المقام الأول علي سبيل المثال  لا تفوت علي فطنة القاري أحد النماذج الداعمة لما ذهبنا إليه ممثلة في خدمات التحصين التي تدعم جهودها احدي وكالات الأمم المتحدة (اليونسيف) ، و يرتفع هذا الإلتزام إلي إلتزام قانوني في حالة الوبائيات الواسعة النطاق لكون أن الدولة عضو في الأسرة الدولية ، إذن عدم الإعلان عن حالات  النولات المعوية  (الكوليرا )المنتشرة في بعض أقليم السودان و إخفاء سجلاتها و حرمان المواطنين من الحصول علي أمصال الوقاية تمثل حرمان للمواطن من حق أصيل في المساعدة الطبية من المجتمع الدولي في ظل وقف الحكومة عاجزة عن ذلك.
(5)
الواقع الطبي  المتدهور في السودان الذي لا تحظي فيه الصحة بما يتجاوز 2% من الميزانية العامة للدولة أدي إلي إفقار  البيئة الطبية و هجرة الكوارد الطبية أضف إلي ذلك  التخبط الذي أصبح ملازما للتخطيط الطبي من  سياسات تستهدف التخلص بالبيع من المؤسسات الطبية ضمن خطة الإستثمار  الحكومية التي تسعي للتخلص من المؤسسات   التي تحظي بمواقع حيوية ضمن نطاق المدن الكبيرة ، ما يقرع ناقوس الخطر هو أن حالات الطواري المرتبطة بالوبائيات تتطلب مقابلتها بإجراءات خاصة من تجهيز لعنابر العزل (الكرنتينات) , و عدد كاف من الكوارد الطبية المختصة و الأخري التي تعمل في مجال الإحصاء المعلوماتي .
(6)
المساعدات الطبية سواء من وكالات الأمم المتحدة أو الدول او المنظمات المختصة  اثبتت جدواها في ازمة التعامل مع مرض الايبولا في غرب افريقيا تجربة غنية يجب الاستفادة منها إبتداء من الكشف للحالة الاولي التي بدات من دولة مالي الي أن ضرب الوباء دولة سيراليون و أُعلن خلوها من الحالة الاخيرة ، بل السيطرة التي قامت بها كل من نيحيريا و غينيا الاستوائية و السنغال للتعامل مع حالات الايبولا  تكشف عن الاهتمام بالطبي بالعلاج و متابعة الحالات علي سبيل المثال إستطاعت نيجيريا تعقب الحالة الاولي لقادم علي متن إحدي الطائرات شغل المقعد رقم (41) ليتم الوصول اليه عن طريق سجل المسافرين وتمتد المتابعة لتشمل الركان المحطين بالمعقد رقم (41) للتاكد من إحتمالات إنتقال العدوي
(7)
ما يثير الحيرة ان السودان ـأعلن حالة الطواري في العام 1989م لدواعي سياسية بل ظلت مناطق كثيرة مثل إقليم دارفور لم يشملها رفع حالة الطواري حتي مع توقيع اتفاق السلام في العام 2005 م ، لاحقا في العام 2012م تم الاعلان عن حالة الطواري شملت بعض الادارات المحلية باقليم النيل الأزرق و جنوب وغرب كردفان و ايضا لاسباب سياسية تتعلق بالعلاقة مع دولة جنوب السودان ، تتفق الأسباب  التاريخية لإعلان حالات الطواري في السودان في إرتباطها  بدواعي  سياسية  تحت ذرائع  الحفاظ علي أمن وسلامة المواطن وصيانة وصيانة تراب الوطن ( بغض النظر علي اتفاقنا او اختلافنا معها ) إذن انطلاقا من هذه الفلسفة اليس الاجدر اعلان حالة الطواري الصحية في المناطق المتضررة بوباء السحائي فهو يصيب الانسان او المواطن الذي أعلنت  حالات الطواري السياسية من اجل أمنه وسلامتة و سيادة  الارض التي يقطنها .


الخميس، 8 سبتمبر 2016

الإسلاميين السودانيين .....السلطة وحصاد الصراع





يشهد التاريخ المعاصر للدولة السودانية للدكتور حسن عبدالله الترابي عرّاب الحركة الإسلامية  السودانية ومفكرها الذي دفع في العام 1986م بالجبهة الاسلامية القومية لتخرج من ثوب الدعوية إلي أفق سياسي تمكنت من خلال مسيرتها أن تصبح رقماً مؤثراً في الساحة والتاريخ السياسي والإجتماعي للدولة السودانية، ودون الخوض في مآلات ذلك سلباً أو إيجاباً فلست بصدد تناول ذلك في هذا الحيز، فإن الرحيل المفاجئ للترابي حفّز مبادرات توحيد الإسلاميين السودانيين أن تعود الحركة الإسلامية إلي واجهة الأحداث رغم خفوت تلك المبادرة لكن في جوهرها تكشف عن إنكشاف الستر عن خلو صفوف الإسلاميين من شخصية تمتلك صفة القائد التي تجمع بين الفكر والسياسة بذات الإحتراف، من جانب ثاني المتتبع لأسلوب الترابي في ممارسة السياسة يُدرك بأنه يمتلك من الحصافة والإحترافية التي تستهدف ما يصبو لتحقيقه بخطوات عملية، فعلي سبيل المثال ما أن أستشعر أن نتاج فقدان الإسلاميين المصريين للسلطة بعد عزل الرئيس محمد مرسي يُقصِّر من قامة الحركة الإسلامية علي المستوي الإقليمي  (في شمال إفريقيا و الشرق الإوسط)  بادر في خطوة جرئية بطرح مبادرة الحوار الوطني التي قد ينظر إليها البعض كخطوة لأنهاء أزمة الصراع علي السلطة لكن في إستراتحيتها كانت تستهدف تحصين المشروع الإسلامي للحركة الإسلامية  العالمية عبر الإقتراب السلس لتوحيد الإسلاميين السودانيين، بالطبع هنالك طموح شخصي يتمثل في عودته إلي دائرة صنع الحدث والتربع علي ذات الكرسي الذي دفع به أميناً عاماً للمؤتمر الإسلامي العالمي في العام 1991م.
سِجل تاريخ الحركة الإسلامية السودانية بعد سيطرتها علي السلطة عبر الإنقلاب العسكري في العام 1989م شهد حالات إنقسامات يمكن أن نجملها بشكلٍ كلي في أسباب تصور الحركة الإسلامية السودانية بأن إدارة الدولة يمكن أن تتم بذات الطريقة والأدوات التي كانت تُدار  بها الحركة أو الحزب، ولعّل نتاج ذلك ظهر علي السطح بعد عقد واحد في سجل تاريخ الحركة والسلطة ليشهد العام 1999م الإنقسام الذي نتج عنه حزبي المؤتمر الشعبي الذي ظل لفترة طويلة يقبع في خانة العداء لحزب المؤتمر الوطني الجناح الذي سيطر علي السلطة السياسية قبل أن يتنقل بعد عقدين من الزمان إلي تحالف المعارضة بعد مؤتمر جوبا في العام 2009م، الإنقسام الثاني حدث العام 2013م بخروج الدكتور غازي صلاح الدين العتباني من حزب المؤتمر الوطني ليُؤسس لحركة الإصلاح الآن، ولعل خروج غازي عضد من أن الأسباب تكمن في طريقة ممارسة الإسلاميين للسلطة، فالمتتبع للأسباب يركن إلي أن الرجل قد أصابه غبنٌ من الإقصاء (الناعم) الذي حدث له في مؤتمر الحركة الإسلامية الذي عُقد بالخرطوم في العام 2013م ويتشابه الحال هنا بإقصاء غازي صلاح الدين في العام 1998م للدكتور الشفيع أحمد محمد من موقع رئيس المجلس الوطني لكن الأخير لم يغادر صفوف الحركة والحزب بل اَثر الإنزواء بعدياً عن الاضواء.
سيناريو الإنقسام الذي تم في العام 1999م كاد أن يُعيد دورته مرة أخري لكن هذه المرة توجه نحو إستهداف الرئيس عمر البشير، لكن الأخير سارع في العام 2013م بإبعاد خصومه من رجال الصف الأول من المدنيين الإسلاميين بعيداً عن مراكز النفوذ السلطوي مثل الاستاذ علي عثمان طه، الدكتور نافع علي نافع، المهندس عوض الجاز والدكتور كمال عبداللطيف وغيرهم ممن ظلوا يرسمون ويديرون الدولة، من الناحية النظرية لا يُمكننا القول بأن ما حدث إنقساماً إرتهاناً لبقاء جميعهم في صفوف الحركة والحزب لكن من الناحية العملية قد يكون منطقياً لأن الإنقسام في جوهره يمكن التعبير عنه بصراع الرؤي من جانب، كما تصلح حالة فقدان الثقة بتحمل توصيف الإنقسام، دون إسهاب فقد تصلح ذات الأسباب المتعلقة بالإنقسامين السابقين لتكون سبباً موضعيا في هذه الحالة، ولعّل كواليس الأسباب تُشير إلي أن الرئيس البشير وجد نفسه محاصراً بنتاج السياسات النابعة من ممارسات مجموعة المدنيين الإسلاميين في إدارتهم للدولة، علي سبيل المثال في العام 2009م وجد نفسه محاصراً دوليا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بنتائج الصراع في دارفور فيما تُشير مسيرة تكوين مليشيات الجنجويد إلي الاستاذ علي عثمان والمهندس صلاح قوش كمهندسين مباشرين للأمر، من جانب آخر ذات مجموعة المدنيين تولوا ملف الصراع مع الحركة الشعبية إلي وصولها إلي إتفاق السلام الشامل ثم راكمت السياسات الكلية مما أدي إلي الإنفصال في العام 2011م ليكون البشير هو علي رأس المسئولية بحكم منصبه إجمالاً، وهو ما يُفسر التحولات التي حدثت في شخصية الرئيس البشير لاحقاً التي يظن البعض أنه يتحدي المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية لكن في حقيقة الأمر هو يدفع بالتحدي إبتداءاً إلي رفاقه الذين أرادوا أن يجعلوا منه أرجوزاً أو مغفلاً نافعاً.
بالإضافة إلي ما سقناه من إنقسامات معلنة ومستترةً فهنالك مجموعة من الإسلاميين الذين بادر بعضهم بتقديم إستقالاتهم في أوقاتٍ متباينة بعد الإستيلاء علي السلطة وقبل إنقسام 1999م مثل الدكتور الطيب زين العابدين وعبدالوهاب الأفندي والأستاذ أحمد كمال الدين علي سبيل المثال لا الحصر إلي جانب من إلتزموا مواقف إتخذت صفة الحياد من صراع  المؤتمر الشعبي والوطني من أمثال الدكتور التجاني عبدالقادر والدكتور خالد التجاني وبعض الأكادميين بما يصلح علي تصنيف هذه المجموعة تحت مسمي المثقفيين الإسلاميين إستناداً علي ما أطلقوا علي أنفسهم في البيان الذي أعقب أحداث سبتمبر 2013م.
 المجموعة الأخيرة التي تمثل مجموعة (السائحون) وهم من شباب الحركة الإسلامية الذين شكلوا عصب جبروت الحركة في بدايات الإنقلاب عبر دورهم في المشاركة في القتال ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت مسمي المجاهدين وفقاً لقاموس أسلمة الحرب الأهلية، وقد تبدو المجموعة ظاهرياً كجسمٍ متماسك لكن في حقيقة الأمر فهنالك من يتنازعه الإنتماء  بين الجناحين الرئيسين (الوطني والشعبي ) ليظل ما يربط بهم موقف يصف مآل حال تجربة الإسلاميين وهو التفريط في المشروع الإسلامي.
بالنظر إلي خريطة الواقع وبمحاولة مناقشة موضوع المقال حول فرص توحيد الحركة الإسلامية السودانية نجد أن الإجابة قد تقترب من مراتب عدم الأمان ولا أقول الإحتمال، ولتعضيد ذلك أحاول الدفع بالنقاط التالية علها قد تدعم هذا الإفتراض:
أولاً: طبيعة الصراع الذي إنفجر إلي السطح في العام 1999م ونتج عنه حزبي المؤتمر الوطني والشعبي شكل صراعاً حول السلطة وليس لأسبابٍ فكرية تتعلق بفلسفة تتصل بصراع الإفكار الأمر الذي جعل منه صراعاً تكثفت فيه أدوات الضرب تحت الحزام مما دفع بالمحمول الفكري للحركة  للتضاؤل كنتيجة لتركيز النظر نحو السلطة والإنفراد بها، كما أفرز بدوره اثراً سلبياً تمثل في  أهمال المجايلة التي تقود إلي إفراز كوادر فكرية وليس رجال دولة.
ثانياً: الفترة الزمنية الطويلة للصراع أثقلت واقع المجموعات المنقسمة بالمرارات الشخصية مما فتح الباب للفظة الخيانة لتأخذ موقعها في قاموس الخصومة، فمع تبادل الإتهامات تباعدت الشُقه بين أخوان الأمس لتتعمق الهوة بتمييز المجموعة المتحصنة بالسلطة لأوضاعها مادياً  لترتفع المرارات إلي غبائن بائنة وغائرة.
 ثالثاً : إرث الإنقسامات انعكس في هدم جدار الثقة فأصبح التربص إحدي أدوات حسم الصراعات ويظهر ذلك في صراع مجموعة البشير في مواجهة مجموعة المدنيين من أمثال الأستاذ علي عثمان وبقية رجال الصف الأول الذين تم إبعادهم في العام 2013م، أضف إلي ذلك محاولة الإنقلاب التي قادها المهندس صلاح عبدالله قوش كحدث عبر بوضوح عن تعمق التربص وتحين الفرص للأجهاز علي الخصوم داخل الحزب والحركة الإسلامية وليس في صفوف المعارضة.
رابعاً: لم تقف الصراعات علي تماس السيطرة علي السلطة بل إمتدت إلي زعامة الحركة الاسلامية فأخذ أمر إضعافها الصعود إلي أجندة الصراع وقد ساهم في ذلك غياب الزخم عن قوة الحركة الإسلامية وتأثيرها إقليميا ودولياً، فشهد العام 2013م مؤتمراً باهت المحتوي والمضمون عكس واقع تضعضع الحركة الإسلامية كما راكم لإنقسامٍ آخر بين جيل المؤسسيين أو أولاد الدفعة، يُمكن تقصي ذلك في صراع الأستاذ علي عثمان والدكتور غازي صلاح الدين الذي جعل الأخير يخرج وسِجل المرارات المرتبطة بإقصاءاته من المراكز الحيوية تزاد رقعتها .
خاسماً: بالرغم من تحفيز صعود الإسلاممين المصريين إلي سده الحكم للإسلاميين السودانيين باعادة توسيع مساحة السيطرة إقليميا إلا أن ضغوط المجتمع الدولي الرامية إلي تحقيق إستقرار شمال افريقيا التي تُمثل مصر محورها ظلت تدفع بضغوطٍ علي إبقاء السلطة في الخرطوم تحت يد العسكريين بعيداً عن قادة الحركة الإسلامية من المدنيين الأمر الذي يعني ترحيب المجتمع الدولي بسلطة إسلامية في الخرطوم تستطيع خدمة مصالحها الإستخباراتية لكن بعيداً عن الحركة الإسلامية الأصولية .
سادسا: موقف السائحين أو شباب الحركة الإسلامية الذين شكلوا زخم قوتها وجبروتها يُمكن وصفه ببداية مرحلة إنكماش وتراجع تمدد الحركة الإسلامية والحزب والبرنامج الإسلامي في الواقع السوداني وذلك نابع من الصدمة التي خلفها إنقسام 1999م وتراجع الفتاوي المرتبطة بالجهاد، أضف إلى ذلك تكالب التنفيذيين والقادة في التشبث بالسلطة وإكتساب الثروة. 
سابعاً :مآلات الحال وحصاد تجربة الحكم التي وصلت إلي 27 عاماً أثقلت الواقع السوداني بالأخطاء التي لا يرغب الجميع في المضي قُدماً لتقاسم مسئوليتها التي تعاظمت في إشتعال ثلاثة أقاليم حرباً هي دارفور، النيل الأزرق وجنوب كردفان، أضف إلي ذلك إنفصال جنوب السودان و التدهور المريع في بنية الدولة والحالة الإقتصادية المتردية .
ثامناً:  لم يلتفت الإسلاميين السودانيين في مسار تجربتهم إلي قيم مثل التسامح والنظر إلى الآخر بمعيارٍ متكافئ بل إن الخصومة ظلت تُواجَه بالعنف والغلظة وعدم التسامح فقد رفض الراحل الترابي مصافحة تلميذه الأستاذ علي عثمان طه في محفل عام ، مواجهة الترابي بالسجن والإعتقال وفي مرات عديدةٍ من تلاميذه تكشف غياب الحكمة في الخصومة داخل الحركة الإسلامية، تهديد علي عثمان من قبل بكري حسن صالح والأوامر القائمة علي إطلاق الرصاص علي أيٍ ممن يُهدد سلطة البشير من رجال الحركة الإسلامية يكشف أن التوتر قد بلغ الحد الأقصى، من تلك التجارب أيضاً هو تعامل الرئيس البشير بشئٍ من عدم المبالاة في تشييع الراحل الترابي بل التجاهل وصل حد المشاركة الواحدة في مراسم العزاء، كل هذا يمكن قراءته في سياق ثقافة الغبن وإقصاء الآخر وعدم ترسيم الشهامة والمرؤة كأحد الثوابت وقد تطرق الأمر أيضاً إلي الصراع السياسي فلم يفتأ الإسلاميون السودانين يدعون الشهيد محمود محمد طه بالهالك .
تاسعا: حيوية التجربة التونسية والمراجعات التي قادها الغنوشي والتصريحات التاريخية حول ممارسة الإسلام السياسي تصعد كتحدي بأن مشروع التوحد يلزم أن يسير في إطار التجديد للفكر الاسلامي وهو الأمر الذي لا تري في الساحة السودانية من يمتلك مبادرة للقيام بها وإن اتسعت المساحة ذلك، فإذ لازال الإسلاميون السودانيون وأعني من يصنفون أنفسهم في خانة المفكرين يتلاومون ويدفعون بالإتهامات نحو بعضهم البعض بل إن شيخهم الترابي وعرّاب حركتهم الإسلامية قد نال حظاً مقدراً منها.

ختاماً، فبرحيل الترابي وتمركز الصراع حول السلطة تتضاءل حظوط مشروع توحد الحركة الإسلامية السودانية، فالأساس في الوحدة هو مناقشة الصراعات التي قد تظهر كنتائجٍ حتميةٍ لصراعات الرؤي أو الأفكار، لكن راهن الحال يُشير إلى تحولات قزَّمت من دورها بل أصبح من العسير معرفة الحدود الفاصلة بين الدولة والحركة والحزب، بل إن وصول قادة الصف الأول إلي مرحلة التزاحم الشخصي في تولي المناصب يجعل من الأمر أصعب منالاً.

وكلاء ملكيون – الأستاذ عثمان (كبر) نموذجاً



في العام 2003م عندما دشنت الحركات المعارضة المسلحة نشاطها بإقليم دارفور، لم تُمهل الحكومة المركزية حاكم الإقليم اَنذاك الفريق إبراهيم سليمان حسن من الإستمرار ، حيث ظل الرجل رغم إنتمائه للحركة الإسلامية وتواجده علي مستوي مجلس شورتها والمجلس القيادي للمؤتمر الوطني، يدفع بوجهة نظر تدعو للحوار مع الحركات المسلحة عكس ما تبنته الحكومة المركزية من خطة المواجهة العسكرية، ليتم  إختيار الأستاذ عثمان محمد يُوسف كِبر خلفاً له من صفوف الحركة الإسلامية بالإقليم، يُمكننا القول بأن الإختيار قد تم بعناية فائقة، حيث أنه لم يخلف الفريق سليمان حاكماً فقط بل شاركه الإنتماء لأثنية البرتي التي تُعتبر من أكبر المجموعات السكانية بالإقليم من جانب، أما من ناحية ثانية لم يكن لها دور اَنذاك في الصراع الذي أشتعل، من الحقائق المهمة أنها كإثنية قاومت في العام 2003م الإنخراط في القتال ضد الحركات المسلحة و هو موقف عبر عن حكمة الإدارة الأهلية للإثنية التي لم تصمد كثيراً بفعل تأثيرالأستاذ (كبر) كما سنري ذالك في تطور الأحداث و تحديداً بعد العام 2006 الذي شهد الدفع ببعض شبابها إلي صفوف المليشيات تحت مظلة الإحتياطي المركزي لكن تظل الحقيقة أن الموقف لا يُحسب علي الأثنية بقدر ما هو نتاج جهد مباشر للأستاذ كبر بوصفه عضواً بالحركة الأسلامية السودانية و حزب المؤتمر الوطني وفوق ذاك حاكماً منحازاً إلي تنفيذ سياسة الحكومة و الحزب وإن كلف الأمر الدفع نحو عسكرة بعض أفراد الإثنية التي ينتمي إليها، السبب الاَخر الذي يُعضد ما سقناه أعلاه عن إختيار الأستاذ (كبر) حاكماً مرتبط بموقف الحاكم الأسبق الفريق إبراهيم سليمان من تقديم الحكمة علي المواجهة المسلحة حيث لامس ذاك الموقف الصواب فأستطاع أن يُشكل راياً عاماً إتسمت محدوديته بالمناهضة الشرسة من قبل الحكومة المركزية، فكان لابد من إختيار بديل مغمور لتتمكن الحكومة المركزية من خلاله تنفيذ سياستها بدقة أو كما تقول المقولة الشعبية (ضنب سيدو)، و لعّل ذلك ما رأته الحركة الإسلامية في الأستاذ ( كبر) الذي لو سأل نفسه، ولربما الوقت متاح الاَن أكثر مما مضي، لماذا أُستقبل بفتور كحاكم في العام 2003 م من قبل جماهير الولاية  ووُدع بإبتهاج منهم وحمداً لله كثيراً من  في 2015م ؟ في تقديري أن من لم يلتمس الحكمة من مواقف سلفه يعني أنه لا يأبه بها أو أنها  عصية عليه ،(رغم أن كليهما من عضوية الحزب الحاكم والحركة الأسلامية)  بل يمكن القول ليس كل مغامر مثل (كولمبس) فهنالك من  يستخدم الشعلة لحرق اليابسة و ليس لإضاءتها ، يمكننا الإستفاضة في الأجابة علي ذلك ذلك الرفض  مرده حكمة شعبية نفذت بصيرتها إلي أن الأزمة أوسع نطاقاً من قدرات الرجل .
 في تقديري  أن من دواعي إختيار الأستاذ كبر كحاكم اَنذاك هو إفتراض أشرنا اليه يكمن في رغبة الحكومة المركزية في القضاء علي حركات المعارضة المسلحة في فترةٍ قصيرة ستنتهي في غضون سته أشهر ، لكن سارت الأحداث بشكل درامِي لتنتج عنه إحدي أوسع الأزمات الإنسانية، في ظل هذه التطورات إندفع لاعب اَخر إلي مسرح  الأحداث وهو الشيخ موسي هلال عبدلله الزعيم العشائري لإثنية المحاميد و مؤسس أكبر مليشيا مسلحة في التاريخ الحديث .
مُنح الأستاذ كبر ميزانية حرب ضخمة وصلاحيات و اسعة، غير  تلك المُخولة له بموجب لائحة الطواري  والسلامة العامة التي ظلت سارية في الإقليم منذ العام 1989، ولتتبع ما قام به في فترة تولية لمنصب الحاكم و التي قَاربت  الأثني عشر عاماً (2003-2015م) ، لابد من الإشارة إلي  أن المرحلة التي صعد فيها يُمكن تصنيفها فِي سياق الأحداث ب(مرحلة الطواري)، و بناء علي ذلك فقد ظل ما هو مناط به تنفيذه يدور في فِلك الخطة الإستراتجية العامة للحكومة المركزية تجاه الأوضاع علي الأرض في دارفور ،الإرادة الموجهة والخبرة الغائبة في إدارة الشان العام ما دفعت بواجب توفير الخدمات الاساسية من (الماء و الكهرباء و العلاج ....)  للمواطنين بعيداً عن مدي تفكير الرجل ليكتمل المشهد في تنفيذ سياسة القهر .
شخصية الرجل المغمورة لم يُفارقها الفتور الذي صاحب صعوده حاكماً للولاية في 2003م ،فظل هاجسه في الأيام الأولي كيفية التغلغل في نسيجها الإجتماعي، وإلتقاط رموز و شخصيات المجتمع بعنايةٍ معتمداً علي بذل الأُعطيات ليجمع حوله كل من تساقط سواء من أحزاب المعارضة، رموز المدينة، التجار المعسرين، مطلقي النكات والفكاهة، فقد وظّف الميزانية المفتوحة التي مُنحت له ليجمع حوله كل من يُحتمل  أن يدفع به بعيداً من الهزيمة النفسية التي ظل مهجساً بها من رفض شعبي واسع .
من الناحية السياسية فقد حرص علي إختيار طاقم حكومته من الشخصيات التي يُمكن السيطرة عليها من الذين يمتلكون مهارة إبداء الولاء والطاعة، قبل أن  يُحكم السيطرة علي حكومته المحلية بأن جعل من قضاء الشأن الحكومي يتم في منزله الحكومي مساءاً، ليصبح المنزل قبلة للوزراء، أعضاء الحزب الحاكم، الذين تم  إستقطابهم من قطاعات المجتمع المختلفة ثم حارقي البخور جميعهم يحرصون علي صلاة فريضة المغرب بالمنزل قبل أن تبدأ دورة مقابلة الحاكم  الأستاذ (كبر)المشهد الذي أطلق عليه ظرفاء المدينة (بالعيادة المحولة)، فهنالك تتم العطايا، تُقضي الحاجات، أما تلك المرتبطة بالحصول والترقيات والتعينات الجديدة فهي لها ( وسطاؤها) من المقربين و الذين يشكلون حلقة الوصل لقضائها ، حين أطلق حارقي البخور علي الأستاذ (كبر) الخليفة السادس تحول الجو العام داخل العيادة المحولة إلي ما يُشبه عصر هارون الرشيد . بالتمعن في الصورة السياسية الكبيرة للأزمة فلم يحظي الرجل بالمشاركة في كل جهود الحل أو المفاوضات رغم معاصرته للأزمة مما يعني أن الحكومة المركزية فصلت له دوراً محلياً يتسق و قدراته فجهود الحل و التفاوض تتطلب من المهارات والقدرات ثقافة و معرفة في حقل اخر يمتلكها  (السياسي المحترف) .
  ضربة البداية
في العام 2004 حينما زار وزير الخارجية الأمريكية إقليم شمال دارفور عند بداية الأزمة فقد توجه الرجل إلي منطقة المشتل بالقرب من سوق المواشي بالفاشر و التي كانت هي نقطة التجمع الأولي للنازحين الفارين من الإعتداءات التي شنتها المليشيات والقوات المسلحة السودانية علي منطقة طويلة غربي مدينة الفاشر ، فؤجي وزير الخارجية الأمريكي بخلو الموقع من اي شخص من المشار إليهم، فقد تم ترحيل المنزحين داخلياً ليشكلوا النواة الأولي لمعسكر ابوشوك شمالي مدينة الفاشر ، و هنا تقتضي الأمانة أن نشير إلي أن الموقع الجديد أفضل حالاً من حيث البيئة من منطقة المشتل التي تُعتبر منطقة لتجمع مياه الأمطار في فصل الخريف فضلا عن تناثر  المخلفات بها، يبدو أن تلك هي اللحظة التي فتحت شهية الرجل لإلتقاط القفاز حينما شدَه كولن باول فاهه دهشةً من هول المفاجاة .
كما أسلفنا فقد ظل تكليف الأستاذ كبر بتنفيذ المطلوبات لخطة الطواري وقفاً لما تُمليه الحكومة المركزية، شكل هذا التفويض المفتوح مساحةً للرجل للتصدي بثقة كبيرة مما عكس صورة نمطية للرجل كرجل دولة قوي، لكن ما ظل خافياً  هو لم يكن سِوي  صدي للحكومة المركزية أو بعبارة أُخري الوكيل المخلص المكلف بتنفيذ سياساتها ..
حرمان المنزحين داخلياَ من بلوغ مرحلة التعافي
نجح  الأستاذ  كبر في تنفيذ سياسة التضيق علي المنظمات التي تصدت للأزمة في بدايتها والتي قُدرت ب190 منظمة في جميع ولايات دارفور والتي تبقت منها ما لا يفوق ال (39) منظمة في الراهن، حيث شكل ما فعله جريمة يُعاقب عليها القانون بحرمان الضحايا من العبور إلي مرحلة التعافي كمرحلة ثانية فِي إدارة الأزمات، في سياق التضييق وعرقلة جهود بعثة حماية المدنيين فقد أستطاع الاستاذ كبر من وضع العراقيل المختلفة إبتداء من تقييد حرية حركة البعثة لتقصي الأحداث، عن طريق منع تصاريح المغادرة للطائرات الخاصة بالبعثة في كثيرٍ من الحالات الأمر الذي عرض حيوات الكثير من المدنيين للخطر ، بل أرغم البعثة التي كبلتها  القيود علي تعيين موظف تدفع راتبه البعثة للقيام بمهام التنسيق للرحلات الجوية بطائرات البعثة (اليونامد) التي يستغلها منسوبي الحزب الحاكم و الحكومة الإقليمية لمهام لا تمت لتفويض البعثة بصلة،  تُعتبر هذه إحدي الأخطاء التي يجب أن يشملها تحقيق شفاف و نزيه من قبل الإتحاد الإفريقي و الأمم المتحدة، لأنها تمثل إستغلال لأموال الممولين أو المانحين للبعثة بغير ما رصدت له، علي سبيل المثال في 23 أكتوبر 2010 أستغل ( الحاكم الأسبق) كبر إحدي هليكوبرات بعثة (اليونامد)  قي السفر إلي منطقة (شنقل طوباية) إحدي ضواحي مدينة الفاشر ، ليعقبها في اليوم التالي هجوم من قبل مليشيا محلية متحالفة مع الحكومة الإقليمية بالهجوم علي الضاحية وتنفيذ (17) حالة من حالات القتل خارج نطاق القانون، يصعب الربط بين الحادثتين دون تحقيق في الأمر لكن تظل بعثة (اليوناميد) مسئولة قانوناً وأخلاقاً عن إنشغالها ووضع آلياتها فيما يخرج عن تفويض (حماية المدنيين) و التفرغ لخدمة الحكومة الإقليمة وهي أحد أطراف الصراع الذي وصل مداه أن بلغ المحكمة الجنائية الدولية.
إعاقة جهود حماية المدنيين  
 ظل( الحاكم الأسبق ) يُعيق جهود بعثة اليوناميد عبر تضييق فرص مقابلة المسئوليين الأمميين للضحايا من المنزحين داخلياً  حدث ذلك في العام 2010 عندما تم إعتقال  مبعوثي النازحين  الذين تحدثوا إلي وفد مجلس الأمن الدولي بمعسكر أبوشكوك للنازحين بإقليم شمال دارفور،  لعّل من الإنتهاكات التي دأب الرجل علي إرتكابها في حق المنزحين داخلياً هو إعتقال قادة النازحين العمدة اسحق ساجو ، أدم ضوالبيت ومحمد ادم في العام 2007 تحت قانون الطواري حيث شكل الأمر إنتهاكين الأول هو إستخدام سلطات الطوارئ في غير  موضع إنفاذها والثاني هو مخالفة الدستور الإنتقالي 2005  المادة 27 وثيقة الحقوق، وحقوق المقبوض عليهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية السوداني لعام 1991، فقد حرّم الأستاذ كبر المعتقلين حق الزيارة، ومقابلة الطبيب حيث ظل المعتقل الستيني إسحق ساجو يُعاني مضاعافات مرض السكر، بجانب ذلك فقد خالف الحاكم السابق بموجب ذلك الإعتقال المبادئ التوجيهية بشأن المنزحين داخلياً التي أقرتها الأمم المتحدة، هذه الأحداث نوردها علي سبيل المثال لا الحصر لندلل بإن هنالك الكثير من الأحداث التي تتطلب تحقيقاً شفافاً، تصلح ممارسات الرجل المخالفة للقانون و المواثيق الدولية التي صادقت عليها حكومة السودان أن تضاف إلي سجل الأزمة فإن كانت القوات المسلحة السودانية بمختلف وحداتها بجانب المليشيات قد إرتكبت الإنتهاكات ضد المدنيين فممارسات الحاكم السابق (كبر) يُمكن وضعها تحت (حرمان المنزحين داخلياً من حرمة الإعتقال ، الحرمان من الحصول علي المساعدات الإنسانية بإعاقة حركة المؤسسات الإنسانية بالتالي التسبب في حرمان المنزحين داخلياً من بلوغ مرحلة التعافي).
لربما قد يتذكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينما يُفكر في كتابة مذكراته ما حدث في العام2006 عندما زار مدينة الفاشر كيف أن مؤسسات الحكومة الولائية إتحاد المرأة وإتحاد الشباب الوطني قد إندفعوا للإنضمام إلي لقاء الأمين العام مع مؤسسات المجتمع المدني المستقلة غير آبهين بإجراءات الأمن و السلامة عندما تخطوا مدخل مقر البعثة  يتجهون نحو قاعة الإجتماع مما اضطر إدارة البعثة إلي إلغاء الإجتماع وأستخدام أحدي مخارج الطواري لخروج الأمين العام، لعّل هذه النقطة كفيلة بإثبات أن الرجل كان مغمور إلي الدرجة التي لا يعرف فيها عواقب مثل هذا السلوك ليس من الناحية القانونية لكن من نواحي مدنية و دبلوماسية، فما حدث لا يُمكن وصفه سوي ب (المهزلة) لكن في قاموس الحاكم الإسبق (كان إنتصاراً )  لكن إحداث الضجيج هو ما يتقنه  وكلاء إدارة الأزمات .

أن طالت الأزمة لابد من نهاية والتي  تفرض و اجب  الإلمام الكامل بكل التطورات التي مرت بها مسارتها ، لان ما يستقيم و جهود الحل لابد له من أن يستهدف تلك  السياسات و دوافعها وما نتجت عنه  فضلاً عن  السياق الذي تمت فيه .

جريدة الجريدة السودانية المستقلة ... سِيرة مقاومة.



(1)
أعلنت صحيفة الجريدة السودانية اليومية المستقلة علي لسان  رئيس تحريرها في يوم الجمعة  13مايو2016 م عن تعليق الصدور في التالي السبت ثم إستمر التعليق ليوم الأحد إحتجاجاً علي مصادرة أربع أعداد من النسخ المطلبوعة في خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو 2016م و حيث أستهدفت الرفابة الأعداد الصادرة في (الأثنين ، الثلاثاء ، الخميس و الجمعة ) كما كشف  في ذات التصريح رئيس مجلس الادارة ومالك الصحيفة المستقلة  السيد : عوض محمد عوض عن الخسائر المادية من جراء ذلك  والتي قدرها ب60000 جنيه سوداني أي ما يعادل بالتقريب 6.000 دولار أمريكي وفقا للسعر  الرسمي لبورصة أسعار العملة الأجنبية.
 الإنتهاكات  التي تعرضت لها الصحيفة  والمثمثلة في  المنع من توزيع نسخها المطبوعة تقع تحت طائلة العقوبة خارج نطلق القضاء فإلي جانب ما كشف عنه من خسائر مادية جراء المنع من التوزيع فان واقع بيئة العمل الصحفية في ظل عدم ميزات تفضيلية  كالاعفاءات من قبل الدولة لمدخلات الطباعة تكشف الوجه  للظروف التي يواجهها ملاك الصجف والناشرين و العاملين في مجال النشر بشكل عام ، ظلت تصاحب تلك الانتهاكات تعتيم عن الأسباب التي قادت الي ذلك رغم عدم قانونية الامر في مجملة ، و بالنظر إلي الهدف من ورائها يمكن القول بان الهدف هو  ترك الصحف وملاكها تتلاطمهم  الحيرة  التاويلات  ،المنع من التوزيع  تقف خلفها  فلسفة الدفع نحو الإنزلاق إلي الرقابة الذاتية  كدف يدفع إلي تنازل الصحف عن إستقلاليتها والدوران خلف ما يتسق ومصالح بعض الأفراد ، المؤسسات او السلطة السياسية بما يتعارض ومبدأ المهنية و الدور الرئيسي كسلطة رقابية ، ناقدة و موجه .
(2)
مجلس الصحافة والمطبوعات الذي  يعتبر الجهة المناط به تطوير و تحسين بيئة الصحافة  وترقيها لكي تتمكن من أداء دورها في مناخ وظروف وشروط أفضل  ظل يرتهن للصمت الذي يتعارض و واجباته ، هذا التنازل الصريح عن تفويضه يدفع به ليكون مشاركا في تلك الأنتهاكات عبر التواطئ ،فالاجدر في حين عجزه عن قيامه بدوره اعلان ذلك وتمليك الحقائق   لانه في الاساس هيئة تتعامل قضية حساسة مثل  حرية التعبير الذي  ينص فيه علي أن    الحق في الحصول علي المعلومات  هو حق يتطلب التعامل المهني الصارم ، اما خلاف ذلك يظل جسم يشهد في صمت مريب علي  الانتهاكات .
(3)

تعليق الصدور من قبل جريدة الجريدة امر لافت و فعل ايجابي اضف اليه الوضوح الذي تم في اعلان اساب ذلك مما جعل من الامر مسئولية جماعية تجعل من حق الجميع  معرفة اسباب  احتراما للقراء و اعمالا حريص لمبدا الحق في الحصول علي المعلومات ، لكن  تلك الخطوة يجدر ان تعضدد بالمضي في المقاضاة  للتاكيد علي الحقوق التي كفلها الدستور السوداني و ايضا لحماية حق القراء في معاودة صدور غير  مسور بالخطر فهو امر  في  مقام الواجب ، فالاجدر حماية الحقوق بالقانون في  ظل استمرار الانتهاكات لاسباب غير معلومة.
(4)
منع الصحف من توزيع نسخها المطبوعة انتهاك طال معظم الصحف سواء المستقلة ام المملوكة لافراد او موسسات علي صلة بالسلطة الحاكمة الامر الذي يشير الي ان الامر يقف خلفه  مصالح متعددة ومراكز قوي لكل مصالحه وفلسفته وهو الوجه الاخر  لتعدد قوائم المنع  من النشر التي اصبحت غير معروفة كما في السباق  فقد كانت تعبر عن مصالح السلطة السياسية لكن تبدل الحال يدفع بان ذاك الخطر يتهدد الجميع بالتالي فمن المصلحة  مقاومته  لان ما حدث للجريدة اليوم تكرار لما حدث لصحف اخري في التاريخ القريب والبعيد .
(5)
الهدف الرئيس من هذه الانتهاكات هو اكمال حلقات مراحل الرقابة الذاتية لكي يتم تنميط الصحف عبر وسائل التخويف والتردد والتماهي الاختياري عبر معادلة الصدور وفقا لهوي الرقيب او الاستقلالية والمهنية  ، فهو بتعبير اخر ان يصبح الاداء المهني ينظر الي افق (اكل العيش)، من زاوية اخري فان الامر له تاثيره في انه يوسس لمرحلة تدمير للصحافة المستقلة والمحترفة  وسيظهر تاثيرها في الواقع العام للحياه بكل مناحيها ، بالتالي ستظل المسئولية التاريخية لرؤساء التحرير والصحفيين والنشرين و ملاك الصحف ، مجلس الصحافة والمطبوعات و مفوضية حقوق الانسان مع التفاوت في تلك المسئولية فالكثير من الصحفيين لا زالوا يدفعون نحو مقاومة ذلك ويتحملون الكثير  من جراء ادائهم لدورهم المهني.
(6)
الحرمان من الاعلان و السيطرة علي ذلك  لجعلها احد شروط الخضوع للرقابة انتهاك اخر يثقل كاهل الصجف وملاكها و هو  يمثل  تدخل غير مشروع في خيارات المعلن الامر الذي الي احداث خسائر له و الحد من حق القاري العادي في الاضطلاع علي الاعلان وفقا لخياراته ، أما تقصي  تاثير ذلك في الفضاء العام فهو تقليل من حيوية انتشار الاعلان وتاثيره ، فالاعلان حيويته في الحرية  لانه  يعمق مسارات الابداع المرتبطة بنشره و، اما التقييد لذلك الاثر وله انعكاساته السلبية بالتقييد لانه يحد من اثره ولا سيما  مثل الاعلانات التوعوية ، الاخري المرتبطة بالحياة الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالنتبيه للممارسة الحقوق السياسة علي سبيل المثال لا الحصر.

(7)

مسيرة جريدة الجريدة المستقلة في ظل العقبات الكبيرة  تشير الي سيرها في الاتجاه الصحيح اي بعبارة اخري لا تزال  بعيدة عن احضان الرقابة الذاتية وهو امر يشير الي الالتزام بمراعاة شرف الكلمة وحق القاري في الحصول علي خدمة مهنية مقابل ما يدفع و التزام نحو تاريخ ناصع   للصحافة المستقلة ، التنازل او الحياد عن ذلك  يعني انهيار ما تم تشييده بجهد كل طاقمها علي مر تاريخ صدورها ، التاريخ دوما يشير الي ان المعارك التي تدار بضمير  مدرك لدوره وملتزم بالصاح الذي يكفله شرف المهنة والقوانيين والدستور والمواثيق الدولية انما يسطر تجارب مهمة و مفيدة يمكنها ان تكسر  ارادة السير وفقا لاهواء ومصالح لا تعبر عن رسالتها ، قد يطول الطريق لكن كل صفحة فيه ستكتب  سيرة التجربة التي ان تكالبت عليها المحن حتما ستكون نقطة انطلاق لمسيرة قادمة  تدفع نحوها بشعلة التجربة فتهديها الطريق الي ممارسة مهنية ومحترفة ومستقلة .

إسْتِعرَاض لِلعدد الأول مَن مَجلة صيحة(1)


في مبادرة جديرة بالأحتفاء لكونها تدفع في رصانة نحو حِوارات العقل المفتُوح ، لأحد القضايا الشَائكة التي ظْلت تُسور في كثير من الأحيان بِمتاريس تسعي في دأب إلي قفل محكم مُرتهِن  إلي محمُولات لا تَري الأمر الإ مَن وِجهة نَظر أحادية مُتلبسة  حتمَية الإفتراضات النظرية التِي تنطلق منها، لِتلغي الأخر أو تَدفع بِه دون رأفة إلي خَلف أسوار التَحريم أو التكفِير ، فضَاق الماعون و إرتفعت الهتافية تصم الاَذان ، ليبقي إعمال العقل ، تَتبُع مَظاهِر النِشوء ، الخلفيات التاريخية ، الحوار رَهِينة لمعَايير الإسلام السِياسي  .
في سِفر حَمل عنوان المَرأة فِي الإسلام ، أخذ ترقِيم العدد (1) من مَجلة صَيْحة  للعام 2014  ، أصدرتها شَبكة نِساء القرن الإفريِقي (صيحة) ، جاءت الإصدَارة في مائة صفحة مِن القِطع الكَبِيرة أحَتوت علي ملف العدد كَما ثُبت عَلي غَلافها تحت عُنوَان (جَدل المَرأة و السفٌور) ، في طباعة فاخرة، تَحرِير دَقِيِق ،  تَصمِيم بَالغ المِهنَية و الإحتراف ، أما المُحتوي فعُنوانه جهد  رَصين مُوغِل فِي التمَاسك أشَرع النَوَافذ لمحمٌولاتِه لِأختِراق بَارع نَحو ما تَصدت له.
في إفتتاحية العَدد سَطَرت الكَاتِبة و النَاشطة هَالة يس الكَارب رئيسة التحرير كَيف بدأت فَكرة المجلة ، فأرجعتها إلي العَام 2011 بِمدينة أديس أبابا – بإثيوبيا بعد إنقضاء إجتماعات لِبكة (صيحة) بِمشاركة العدِيدات مِن دول القَرن الإفريقي ، و كيف أن تَنوع الحِضور أثار الفِرقة الأثيوبية أثناء طعام الغداء لتنوع أداء أغنياتها و فقاً لِسجنات الحضور ، تعرض الإفتتاحية للعسف الممنهج ضد الِنساء المُسلمات فِي منطقة القرن الإفريقي ، حيث سعت الأيدلوجيات الدَينية السَائِدة إلي تَحوِيلها لِبيئة مُعَادِية لِوُجود المرأة فِي الفضاء الإجتماعِي العام ، ذهبت هَالة إلي أستعراض بعض البِيئات مِثل السُودان و الصومال حَيثُ إصبحت المرأة الوجه الكَالِح للفقر و الحرب ، أستمرت لِتكشف عن تَخصيص العَدد الأول من للمرأة فِي  الإسلام لِكي نعلِي مِن فَرضِية أن تفسِير الإسلام ليْس حِكَراً عَلي فِئة مُعينة أو عِرق مُحدد ، بقدر ما إنه كمُعتقد و روحانيات ، مَجبُول عَلي تعدد التفَاسِير مِن وَاقع أنه نَصْ خَالِد ، تَمضِي لِتُضيف أن سِطور  المجلة تَحتضِن نُخبة مِن كِبار المُفكِرين والكُتاب ظلوا يُروجون لِلتنوير الإسلامي و يُنافِحون عن قِيم العدالة و المُساواة بين الجِنسين و حِقوق الإنسان بإعتبارها قِيم إسلامِية أصيلة لا تتنَاقض و تعَاليم الإسلام .
الجُزء الأوْل والذِي جَاْء  تحت عِنوان وُجوه  وفِي  الصفحة السَادِسة أطل وَجه  الدَكتورة  أمِينة ودوُد تحت عنوان (أمرأة فسرت القراَن لم لا)  هذه الإفتتاحية ومُصافِحتِها القَارئة، القَارئ من الوَهلةِ الأُولي تُشير إلي تَريب مُمنهج تنَاسب و إسم المجلة ، ماري تيزلي هو الإسم الحقِيقي للدكتورة أمِينة ودود التي وُلدت لأسرة مسيحية بولاية ميرلاند الأمرِيكية قَبل أن تعتنق الإسلام في العام 1972 ، ألفت أمينة ودود كِتابها الرائد الإسلام و المَرأة مُحاولة قِراءة للنص المُقدس مِن وجهة نَظر نسوية  ، أثار جَدلاً كَثيفاً لدي العدِيد من الإسلاميين لكونِه أول مُحَاولة لِتفسِير القُراَن مِن قِبل أمراة.
أطل المفكِرالإسلامي  نَصر حَامِد أبوزْيد ،حَيثُ تعَرض الوجه الثَانِي  لَنشْاتَة و كَيف قَاوم الظِروف التِي مَر بِها لِيعود لإكمال دِراستِه بكُلية اللُغة العَربِية بِجامعة القَاهِرة التي عُين فِيها أستاذاً بَعد أحد عَشر عَاماً عَمل فِيها فَنياً بِمصلحة اللاسِلكِي ،مسِيرة حَياتِه و مُساهماتِه الفِكرِية تُعتبر إضافة عَملاقة  فِي أنسنة الفِكر الإسلامي فقد عَمد عَلي نقد الإسلام السياسي مستنِداً عَلي مشروعه الفَلسفي الذِي يَقوم عَلي فِكرة التأويل الإنساني للقُراَن ، مُسنداً عَلي وَجهة نَرة التِي تّذهب إلي أن المُتمعِن لِلقراَن يَكتشِف أنه أساساً يَنْبني عَلي تعدُدية خِطابِية .
الوجه الثَالث جَاء للَناشطة الصومالية زَهراء محمد أحمد ، و هِي ناشطة مَدنية تعمل مع مجموعة وَاسِعة من الناشطين الصومالين في جهدِ رغم الصعوبِات فِي مٌحاولة حثِيثة للِمُساهمة في بِناء مُجتمع مَدني بالصومال ، زهراء مِراَة ووجه  لناشِطات يَعملن فِي وَاقع بَالغ التَعقيد ، يُرَاهِن علي المعرِفة يأنها ستُحدث التغيِير و الإنتقال إلي مُجتمع تسوده قِيم إنسانية تُجانِب الإنِزِلاق فِي و حل التَطرف و الفَوضي.
نفاذ البَصِيرة و القُدرة عَلي إستشراق المُمستقبل تحت هذا العُنوان أستقرت ملامح الوجه التِي رَسمها بالأبيض و الأسود الفنَان السُودانِي نَصْر الدِين الدُومة لِلشيخ بَابِكر بَدري رائِد تعليم المرأة و أحد صُناع التغيِير الإجتماعي فِي السُودان ،إلي الأسفلِ تَحلت ما يُقَارب المائة كلمة عَرض سِيرة مُختصرة لِنشأته ،ثم عمد المقَال إلي جسَارتِة كرائِد لِتعليم المَرأة فِي السُودان بمَا يُمكن وَصفه بالثورة الإجتماعِية التي كَانت تَري نفَاذ بصِيرته أهمية تَعلِيم المرأة فَمضي فِي مَشروعِه بتصمِيم و شجاعة رغَم المعارضة والتَشكيك الذي واجهه.
الوجه الخَمس كان لرحيِمَة كَاسولِي ، يوغَندِية مُسلمة ، لم تقف نَشأتها القروية بقرية صغِيرة (قومبي) بِوسط يوغندا، ووفاة وَلدها فِي سِن مٌبكرة من مُواصلتها تعلِيمها ، فنَاضلت فِي إصرار لَتنقل إلي المدينة لِتُكمِل دِراستها لِلفنون  الجمِيلة ، فَي العام 2012 أسست برنامج تطوير الذَات للصبيان الُمسلمِين يتعلموٌن فيه مهارات أكتِشاف الذَات و تَحديِد الأهداف بالإضافة إلي مهارات تصفِيف الشعر، ، تحضير الطعام ، الفُنون و الحِرف ، كذلك أسست برنامجي النِجوُم الصَاعِدة لفتيات المرحلة الثَانوِية و (يُونِي أكشن) للجامِعيات ، برامِج التَدرِيِب للِنساء العَملات و أخِيراً برنامِج تطوِير سيدات الأعمَال، إلتقت الرئيس الأمريكي باراك أوباما في لِقاء نُظم للإعتراف بالمُسلِمين الذِين ساعدوا غيرهُم، حَاوتها كَارول مَاغامبو ، تَرجمها إلي العربية سام بيرنز.

النِساء و السُلطة  هكذا أشارت دِيباجة الجُزء الثَانِي ، مُشاركة المَرأة فِي السُلطة السِيَاسِية فِي الصومَال يمكن بيُسر النفَاذ  إلِي موضوع المقَال الذِي يحُاول الطَرق مُنبهاُ  للِتمييِز بين مُشَاركة المرأة المُستندة عَلي الوَعي بِدورها كإلتزَام مَبنِي علي إعتراف صَارم بِحقها في المشُاركة ، وبين المُشاركة الشكلية التي تستجِب لِنسب منصوص عليها فِي الدسَاتير ، و قَد ركْز المَقال علي الصومَال كنموذج في ذلك؟
السلطَانَات المنسِيات ، عُنوان كتاب  للكَاتبة فاطمة المرنيسِي ، شَغل الحيز الثَانِي ، حيثُ تَم عرض للكِتَاب فعمد الإستعراض إلي غَوصِ عمِيق ضَارب فِي تتبع جِذور إعتلاء المَرأة لعرش السُلطة ، مع تَمهل سَعي لإثبات قِدم علاقة المرأة و السُلطة ، بِما يَسبق التَدوين لِذلك بتولي بنَاظير بُوتو السُلطة في التَاريخ الحَدِيث
فِي مُحاججة مَعرفية تصَدت للِحط  من مَكانة المَرأة المعرِفية علي مُستوي الدِين إنتحي منهج المقَال الثَالث إلي تثوِير تلك الحُجة من ذَات المُنطلقات التِي يستنِد عليها من يستندُون علي الجهَر بذَاك ، لِتقوُم الجحة مَستنِدة مِن الوَهلِة الأُولي علي العُنوان ( إرث السيدة عائشة) ثُم مُحتمياً فِي صرامة عَلي السُنة النبوِية في حدِيث الرسوُل (ًص) حين قَال (خُذوا نِصف دِينكم مِن هَذِه الحُميِراء)، سعي المقَال إلي وضع النِقَاط فَوق الحِروف بأن مصَادِر التشريع يُمكن مِن خِلالهَا التصدِي لمُحاولات التنمِيط التِي تُلصق عمداَ لِلتقليل من الوَعي المعرِفي للِمرأة.
في الفصل الثَالِث المَوسوم ب(مُساواة) أطلت النَاشطة الإيرَانِية الحَائِزة علي جَائزة نوبل للِسلام ،  شِيرين العَبَادِي  و هَي قَاضِية سَابِقة  و مُحاميِة و مُدافِعة عن حِقوق الإنسان ، إنتهت بِها موَاقِفها الشُجاعة والجَرِيئة إلي المنَافِي فِي العَام 2009، شِيرِين التِي كَانت تُجِيبُ عَلي أسئلة مُحَاورتها الكأتِبة الإيرَانِية فهِيمة فرسَاي ، عمَدت شِيرين عَلي التركِيز أجابَات شَامِلة ثَاقِبة فَلسفتها أن الحِقوُق لا يَجب النظر إليها مِن منظور النَوع لأنها لأنها لا تَحتملُ التَمييز لِتعَارضها مَع مَفهُم حِقوق الإنسَان الذِي هُو مفهوم عَام ، حَال من يَرسُم الصُورة الكَبيرة أضَافت شِيرين  لتُكمل المشَهد قَائِلة عَلينَا أن نَتحلي بِالصبر تِجاه التَغييِر فِي العَالم الإسلامي.
عَلي الصَفحة 36 كَانت لوَحة للفَنان التَشكِيلي السُوَدانِي صلاح إبراهِيم جَاءت سَابِقْة لمقالة بِقلم البَاكستَانِية فَرِيدة شَهِيد تَحت عُنوان أفكاَر مِنْ مَنَظُور باكِستاني ، ركزتْ الكَاتِبة علي تَقنيِن العُنف ضِد المَرأة بَالقَانوُن ، حَيثُ كَشفْت عَلي أن إرتكَاز القَوانِين علي الثَقَافة التِي تضطهِد المَرأة فإنه يَجٍد مَشرُوعيته فيِ الخُصْوصِية الثقَافِية، فِي مَقام اَخر تَعرضَتْ الكَاتبةِ إلي أن بَعْض التَشرِيِعَات القَانْونية مَحصُورة عَلي الرِجَال لِذَا فإنها قَوانيِن ذِكْورية عَلي مِقْيَاس عَدَالة ذُكورية .
الكَاتب و البَاحث السُودانِي عَبد الخَالِق السِر و تَحت عُنوان النِسوية الإسَلامِية أثار نقِاطِ جْوَهرِية و فِي تقدِيرِي أنْ عَبد الخَالق تَعرضْ لموضِوعَات فِي غَايَة الأهمِية لأنها تَوْجهَت مُبَاشرة نحو تَفكِيكِ العَوائِق فِي الِسياق المفَاهِيمي حَيثُ قَال أن التَصدٍي  لِحِقوق المَرأة المَرأة لَيستْ مَسئُوليِة النِساء فَقط ، و أنها لأيست مُستوْردة أو ظَاهرة حَديِثة ، بل أن العَدالة و المُساواة ظَاهرة مُتَأصِبة فِي الإسلام و سعَي المُسلِمُون تَحقِيقها عَلي مدَي التَاريخ .
كأن عَبد الخَالِق يُجِيبْ عَلي أسَئلة قد تَطوف بالِذهن ظَلت تُثَار هُنا و هنَاك فِي سِياقات سَلفِية تربِط المُناداة بِالحِقوق بَأنَها تأثر بِالمجَتمعَات الغَربِية و لا يَجوز للمُسلِمة أو المُسلِم ذلك حين قَال لَيس بالضَرورة أن تَكُوْن حِقوق المَرأة مَوْلوْداً عَلمَانِياً.
إحتلت لَوْحة الفنَان اليَوغندِي رونِي أوفوانق التِي إخَترق اللون الأصفر فِي أعَلي اللوْحة عَلي اليَسار كثافة اللونْ العُنَابي  ، ليطُل اللونْ الأبيض فِي أربعة مَواقِع أضأفة رَونقاً و :شفت عن تَجسِيد أخترق السِريالية فِي مَزج بَالغِ الرَوعة ، أستقَرتْ اللوَحة أنيقاً عَلي ثُلثي الصَفْحَة 42 مِن المَجلة ، عَلي الثُلثِ الأخير و بأقصي الجَنِب الأيمن تَم تثَبِيت مَرجع يُشير إلي  مَصدرِ سَابِق للقَصيدة  مَع إشَارة إلي أنها نُشِرت لأولِ مَرة فِي إصدَارة مٌسلِمة – المَتحَف العَالمِي للِنسَاء ، فِي السطر الأخِير بَرز إسم مُصطفَي هَاروُن الذي تَرجمها للعربِية ، أُمِي هَل ، لِي ....؟ مَن نَظم النَاشطة ،  الشَاعرة ،  المُدوِنة ،و المُصوِرة الإمرِيكية مِن أصل بنَغَالِي نَادِية حُسيِنْ.
أُمِي هَل، لي....؟ قَصِيِدْة مُسَتَوْحَاة وِفقاَ للشَاعِرة مِن لعبة للأطفَال إعتَادت عَلي مُمارستِها فِي طُفْولتٍها ، لإضعمدت إلِي المُقَارنة بينها و مسيِرة حَياتِها لِتلتْقِط التشَابه بَينْ قِيوُد اللعُبْة و تِلكْ التِي تَعترِضْ مَسِيرتها لَيس سِوْي أنها أمَرأة و لا سَيْمَا أمَرأة مُسلِمة ،  لَكِن فِي خِتام القَصِيدة تُظهِر الكَاتِبة مُقَاومتِها قَائِلة
لا أنجِب بِنتاً أبداً
تنظُر فِي وَجهِي تَتَوْسلنِي  قَائِلة
أُمِي هَل لي....؟
بذَات مقْيَاس اللوْحةِ السَابِقة أستقر تَلويِن للفنَان السُودَانِي نَصر الدِين الدُوْمة ، فٍي أعلي اللوَحة تطِل مِئِذنة ، تجسِد لِشجرةِ مُخْضَرة يقَترب شخَصلن يَصُعُب تتبْع ملامحهم ، عَلي الثُلثِ الأخِير مِن اللوْحة و إلي اليسَار يظهَر رجل بِجلبَاب سُوداني أبيض يَداه مَعقُودتان إلي الخَلف تُمسك أصابعه بِمسبحة ، علي الجَانِب الأيمن تَظهر ثَلاث نِسوة عَلي ثِياب بيضاء تحمل إحداهن مصلاية عَلي يَدها اليُسري ،أتجاه التَلوين يُشيرُ إلي أن الجَمِيع مُتجِهون صَوْب المَسجد.
رَبطت أحداثِيات اللوْحة و المَوضوع الأخير للفصَل الثَلث و الذي جَاء بِقلم الناشِطة والكَاتِبة السُودانِية هَالة الكَارِب تَحت عُنوان مُسْلِمة عَلي خُطي جْدتِي ، إكَتسب المَوضُوع قُوته من كَونه سَرد واقِعي فَهالة التي حَاولت التحَث عن مَفهوم الحِجاب ، إستطاعت بِيُسر أن تَدلف لذِلك بَعرض قِصة لِجدتها أمنة بت محمد علي و كَيف أنها كأنت تَرتدي ثَوبها الأبيض الأنيق (أبوقجيجة) و تَحرص عَلي أناقتها و تُهندم حال مسايرها المُحَضبة بِالحناء ، ثم تَرفع خطواً نَحو المسجِد لأداء شعيرة الجُمعة و مُصلايتها تستقر عَلي راحة يدها ، كأن الكَاتبة تُطلق تسَاؤلاً مَاهي معايِير الحِجاب ، و هلَ الثَوب السُوداني لا يفي بشروط أداء الصلاة ، لعل السرد يكشف عن نقطة جوهرية وهي أن النساء كن حاضرات في الحياة السوُدانية قَبل مُحاولة فصلها عُن الرِجال فِي الحيْاة العَامة بِستخْدام قوانِين مثل النظَام العَام والتعَامل مع مجمل موروث الشَعب السودانِي بالحوجة إلي إعادة صياغة وفقاً لمحمول الإسلام السياسي.

  

الإيبولا الحالة رقم (1) : هل السودان مُستعد ؟


بقلم: د. سليمان علي بلدو
محمد بدوي محمد
          أوردت جريدة الإنتباهة  السودانية في عددها الصادر بتاريخ  ١٢ نوفمبر الجاري مادة خبرية تكشف صراحة علي مدي إستخفاف السلطات السودانية بوباء  الإيبولا ، يبدو في أرض العجائب  أن إدارة الوبائيات بوزارة الصحة الإتحادية قد أشتكت للبرلمان  السوداني من "عدم مقدرة سلطة الطيران المدني علي  إلزامية القادمين إلى البلاد عبر مطار الخرطوم الدولي من ملأ إستمارة الصحة لتتبعهم" ، وفق الإجراءات المتبعة في كل مواني الدول المحيطة بالسودان والعالم المستقبلة لسفريات من الدول المتأثرة بالوباء،  جاء ذلك  في جلسة إستماع بالبرلمان حول تحوطات الوزارة من دخول الإيبولا للبلاد، وأفاد مدير إدارة الوبائيات بوزارة  الصحة «ما بنقدر نقول إن الإجراءات مية المية» مضيفا: «بكل أسف التلفزيون القومي يرفض عرض المواد التثقيفية مجاناً رغم قرار وزير الإعلام».
 مما يضاعف من القلق أن كل التصريحات الرسمية السابقة التي هدفت لطمأنة مواطن السوداني علي الجاهزية  للتعامل مع وباء الإيبولا القاتل ، أذا حدث و أن عبر إلي داخل حدود الدولة لم يشهد لها المواطن  ترجمة حقيقية علي أرض الواقع ،    سؤال بسيط يجب نوجهه  للمسؤولين :
هل السودان مستعد اليوم للتعامل مع حالة الإيبولا الأولي المؤكدة أم لا ؟
العلامات الظاهرة تجنح للإجابة بالنفي كما أثبتت شهادة مدير الوبائيات بوازرة الصحة ، وذلك تقصير عواقبه وخيمه ويجب تداركه قبل أن تطرق الإيبولا أبوابنا  ، مثالا لذلك  :
1.    تأخر السودان في تجهيز مطاراته ومعابرة الحدودية بأدوات الكشف البعيد علي حرارة أجسام القادميين والحرص أخذ بياناتهم بصورة علمية و ممنهجة  للمتابعة في حال ظهورأعراض المرض في الفترة اللاحقة لوصولهم .
2.     حالة الأرتباك الشديدة وسط الكوادر الطبية والصحية وفق ما أوردته الصحف اليومية عند ظهور حالات مشتبه أن تكون  مصابة بفيروس الإيبولا ، وهي تنم عن تقصير حاد في توعية الكوادر الطبية من أطباء ، ممرضين ، فني المعامل  وعمال النظافة   حول كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات وفق بروتوكولات دقيقة يتم تدريبهم عليها نظرياً و عملياً.
3- التعامل مع الحالات المشتبهة يقتضي بالضرورة تزويد كل الكوادر المتعاملة مع هذه الحالات بأزياء واقية كفيلة بحمايتهم من أنتقال العدوي ، أذا كانت الحالة المشتبه هي مصابة بالفعل بلايبولا ،  الأزياء  الواقية لكل متعامل مع الحالات المصابة  ،من الأخصائي ، عمال نظافة عنابر العزل (الكرنتينة) و فرق التعامل مع جثث الموت تتكون من ٢٥  قطعة؛ لتغطية كل  أجزاء الجسم لحمايته من التعرض للإصابة  ، حيث  يتم إرتداء القطع بدقة كاملة والتخلص منها بطقوس علمية ، كل هذا يلزم تدريب العاملين في الحقلين الطبي و الصحي  في مرحلة الإعداد للتصدي للحالة الأولي وليس بعد ظهورها،  الجدير بالقول بأن الزي الواقي يستعمل لمرة واحده فقط، حيث يصبح من  الضروري  إعداد مخزون كبير منه بالأضافة  إلي  أطنان من محاليل النظافة والتعقيم فهل تم ذلك أم لا؟
3.    التعامل بإستخفاف مهين ، أنتهاك للحريات بالأعتقال و  أحياناً بالعنف غير المبرر مع الكوادر الطبية والصحية المطالبة ببيئة أفضل للعمل وسداد مستحقاتها ، أنعكس سلباً علي الحقل الطبي حيث يمكن رصد الأستقالات جماعية لأطباء من مستشفي الجنينة بإقليم غرب دارفور ومستشفي كادوقلي بولاية جنوب كردفان ، و أعتقال اللجنة التنفيذية لأتحاد الصيادلة بولاية النيل الأزرق  هذا علي سبيل المثال لا الحصر ،  يتم ذلك عوضاً عن دعم  هذه الكوادر وهم يشكلون خط الدفاع الأول جغرافيا ومهنيا ضد تسرب حالة الإيبولا الأولي للسودان،    قس علي ذلك إغلاق قسم  العزل (الكارنتينا) بمستشفي الخرطوم مؤخراً في إطار تجفيف هذا الصرح بدون مراعاة لحقيقة أن تكون تسهيلات قسم العزل  (الكارنتينا) و خبرة العاملين بها  من الإحتياجات  العاجلة في الإعداد لحماية المواطن  السوداني من هذا الوباء أو أي و باء أخر.
II- عن كيفية و سرعة أنتشار فيروس الإيبولا
في البدء لابد  من الإشارة إلي أن مرض فيروس الإيبولا أحد الأمراض الفتاكة  التي تصيب الإنسان و تؤدي إلي الموت بنسبة ٧١ ٪ من المصابين وفق رصد منظمة الصحة العالمية لإحصاءات  الوباء الحالي بغرب أفريقيا.
و معلوم أيضاً إن مرض الإيبولا معد، و غالباً ما ينتقل من المصدر  بإستهلاك اللحوم البرية كالوطاويط أكلة الفواكه والقرود والحيوانات الصغيرة كما هو معتاد في حزام الغابات الإستوائية،  ينتشر وباء الايبولا  بالملامسة المباشرة  ،  المصافحة  للشخص المصاب أو  التعامل مع السوائل التي يلفظها المريض،  ومن أسرع وسائل  الإنتشار أعداد الموتى للدفن في إطار الأسرة أوالحي السكني كما هو معتاد في بعض  المجتمعات الافريقية بما في ذلك المجتمعات المسلمة .
لا يصبح المصاب بالإيبولا  معدياً الإ بعد ظهور أعراض المرض في ظرف ثلاث أسابيع من انتقال الفيروس  ، و من أعراضه الأصابة  بالحمي، اللاَم  المفاصل والعضلات ، القيء ، الإسهال والنزيف .
وفي الغالب يصبح العاملين بالحقل الصحي هم الأكثر عرضة للإصابة في حالات الإنتشار الأولي ، لتشابه أعراض المرض مع أمراض أخري مثل الملاريا وغيرها. وتأتي إصابة هؤلاء نتيجة  تعاملهم باللمس مع المرضي وإفرازاتهم ، عدم الوقاية الكافية  بما يلزم من أزياء  واقية، ومن هنا تأتي أهمية تكثيف برامج التوعية لهذه الكوادر والجمهور العريض.
 الأعداد  الجيد يستلزم تخصيص مستشفي بعينه في  المدن والأقاليم الأكثر أحتمالاً لظهور المرض بها  ، لتحول إليه الحالات المشتبه بها،  وتجهز كوادره من كافة الفئات  و بما يستلزم من الوقاية الضرورية ، و التدريب علي التعامل مع الحلات المشتبه.
العلماء في الدول المتأثرة و الصناعية في سباق مع الزمن لإيجاد علاج وأمصال واقية من الأصابة بالإيبولا ولأن ذلك سيستغرغ بعض الوقت ، تصبح الوقاية من الوباء تعتمد بقدر كبيرعلي محاصرة الحالة الأولي ، والتعرف علي شبكات أتصال المريض ، ليتم متابعتهم و أخضاعهم للرقابة الطبية ، و عزل من تظهر عليه الأعراض الأولية ،  تلك مهام تقوم بها فرق متكاملة يتم  أعدادها مسبقاً وإخضاعها لتدريبات يومية للتصدي للحالة الأولي بفعالية عالية كما ذكر أعلاه.

II- الانتقال من الحالة 1 الي الحالة 14,000
سرعة أنتشار الإيبولا من حالة واحدة لأربعة عشر ألف حالة ،  في أشهر معدودة تثبتها تجارب الدول الثلاث الأكثر تأثرا بالوباء في قارة أفريقيا ، وهي الدول الأولي التي ظهر فيها الفيروس ،  فقد بدأ الفيروس  الإنتشار في ديسمبر من العام 2013 من دولة  غنييا وكان المريض الأول طفل ذو عامين، توفى لاحقاً هو وأفراد أسرته،  أنتشر الوباء بسرعة بعدها وساعد علي ذلك أن المنطقة التي ظهرت فيها كانت نائية من مراكز الخدمات الطبية ،  تم تشخيص الفيروس بصورة مؤكدة لأول مرة علي و التحقق من أنه للإيبولا في مارس ٢٠١٤،  وحينها  أعلنت غينيا حالة الطوارئ الصحية لمحاصرته وهزيمته فبادرت بعزل الأقاليم التي إنتشر بها الوباء ، وأغلقت حدودها وفتحت أبوابها للمساعدات الدولية.
ومع كل تلك التحوطات ، وقبل وبعد التعرف علي طبيعة الوباء عبر الفيروس الحدود البرية إلي لييبريا أولا ثم الي سيراليون  ، جواً إلي نيجيريا (حالة واحدة) ،  مالي ( حالتين في أكتوبر ونوفمبر 2014 ) عبر البر أيضاً. الدول الثلاث الأولي كلها خرجت من حروب أهلية مدمرة وعدم إستقرار سياسي مزمن في تسعينيات القرن الماضي وبدايات الحالي، هي من أفقر دول العالم نتيجة لذلك وبناياتها التنموية والخدمية في المراحل الاولي من أعادة التشييد.
مالي فقيرة مثل جاراتها ولكن مالي وعت الدرس جيدًا، فهي أيضاً دولة أفقرها الفساد المزمن وعدم الأستقرار السياسي ثم حربا أهلية تدور رحاها الاَن يزيد من تعقيداتها غزو من مجموعات أرهابية إقليمية استدعي تدخلات أجنبية ضخمة، ومع ذلك أستعدت مالي لإحتمال أن يطرق الوباء أبوابها .،  بملصقات التوعية ، رساءلها تبثها ليس فقط وسائل الإعلام القومية بل أكثر من ٣٠٠ محطة راديو يديرها المجتمع المدني العريض يمكن للزائر مشاهدتها في كل لوحات الإعلانات المضيئة والورقية في باماكو العاصمة والأقاليم، أعدت مالي فرقها المتخصصة وزودتها بما يلزم ولذلك تم التعرف علي الحالة الأولي بعد يومين فقط من وصولها.
قس علي ذلك  في السودان رفض الأعلام الرسمي وتجاهل الأعلام المستقل للتوعية بهذا الوباء القاتل وبضرورة الأعداد المبكر للتصدي له ، الا فيما ندر من مبادرات فردية ، مقال   للأستاذ الطاهر سآتي و د. ماجدة محمد علي وآخرين.
الإعداد المبكر هو الذي أنقذ  نيجيريا  والتي  رصدت حالتها الأولى  في 20 يوليو في بمطار لاغوس حملهت مسافر قادم من ليبريا   ، وكما  الحال في  السنغال التي وفدت إليها الحالة الاولي في أغسطس 2014  تم احتواء الوباء بحسم في الدولتين فلم يتأثر به الا عشرات وهما الان خاليتين تماماً  من الفيروس بشهادة منظمة الصحة العالمية.
أما في خارج القارة الإفريقية فقد إلتقط أفراد عاملون في المجال الصحي وصحفيون الفيروس من منابعه الحالية بغرب القارة وعادو به إلي كل من الولايات المتحدة الأمريكية ، و إسبانيا  ، وتسبب مواطن من أصل ليبريى عاد لأمريكا بالفيروس ينتقل  لعدة أطباء وممرضات.

III-والاَن، هل السودان مستعد لإحتواء الحالة الأولي للإيبولا أن وردت؟
لتكتمل الإجابة علي السؤال المطروح  لابد من إستعراض سريع لواقع الحقل الطبي في السودان: الصورة لا تحتاج  لكثير إجتهاد  فلو نظرنا إلينسبة الصرف علي  الصحة من  جملة الموازنة العامة للدولة نجدها  2% ،  في العام 2013 ،حيث تتفوق دولة جنوب السودان عليها بنسبة 2.8%،   و منذ العام 2005 بدأت الحكومة في سياسة بيع المرافق الصحية و هي مرافق  عريقة، متخصصة ،  مجهزة ببنيات تصلح لإنشاء عنابر العزل (الكرنتينةو المعامل المتخصصة في التعامل مع الأمراض التي تسببها الفيروسات.
عن هجرة العقول فحدث ولا حرج. ففي 2013 كشفت وزارة الصحة بأن عدد المهاجرين من الكوادر الطبية و صل إلي 55% من القوي الموجودة بالقطر عندها ، أما في العام 2014  فقد بلغت نسبة المهاجرين من الكفاءات العليا و المتخصصة ، وفق تصريحات رسمية حوالي 50,000  معظمهم من  أساتذة الجامعات ، المهندسين ، الأطباء و الإعلاميين  وتأتي هذه الهجرات لبيئة العمل الطاردة  الناتجة من ضعف الصرف علي المرافق ،و التعامل القمعي مع المبادرات والأحتجاجات السلمية  التي تحاول الوقوف في وجه التخريب المتعمد ، و تنصل الدولة عن تقديم الخدمات أو المطالبة بتحسين البيئة المهنية والواقع المعاشي للعاملين في ذات الحقل..
الوضع الأنساني: دعونا فقط ننظر إلي أن السودان به ثلاث مناطق للحرب و هذه المناطق أفرزت معسكرات للنزوح الداخلي ففي أقليم دارفور فقط هنالك 32 معسكر ، النيل الأزرق 5 معسكرات و عدد في  إقليم جنوب كردفان  بالإضافة الي معسكرات التي لا تشملها الإحصائيات وهي الأحزمة حول المدن ، التي أجبرت ظروف مختلفة نشؤها مع أنعدام الخدمات، الظروف التي  يعيش فيها هؤلاء المنزحين داخلياً في المعسكرات المعترف بها تعتمد علي ما تقدمه المنظمات الدولية من مساعدات  مثل منظمة الغذاء العالمي و منظمات تعمل في مجالات أخري (الصحة ، التعلم و غيرها) لتبقي حقيقة واحدة ان مجمل ما تقدمه يمثل  الحد الأدني  لبقاء الإنسان علي قيد الحياه.
الوضع الإقتصادي في مايو 2012 و سبتمبر 2013 أقدمت الحكومة السودانية  علي رفع الدعم عن السلع و المحروقات نتيجة لذلك فقدت السيطرة علي سعر الصرف حيث أصبح سعره في السوق الموازية يقارب الضعف بالبنك المركزي،  فأنعكس ذلك علي كافة  مناحي الحياة ، ولاعتبارات متعددة  هناك إبطاء نسبى الاَن في هذه المؤشرات .
الموقع الجغرافي : للسودان حدود متعددة مع ست دول،  وهي حدود مفتوحة تنشط فيها عمليات التهريب و التسلل بصورة منظمة ويومية ، هذا فضلاً عن أنه حتي الأن لم تعلن الحكومة السودانية عن خطة أولية للوقاية أو دليل أرشادي فالمطارات تخلو من السجلات التي يجب ان يدون فيها المسافرين بياناتهم وحركة تنقلهم خلال فترة 21 يوما الماضية وهي فترة فيروس الإيبولا ، ففي جميع المنافذ الجوية بالعالم وبعض البرية منها أصبح الأمر مهما جدًا حيث يسهل الأمر متابعة الحالة والسيطرة عليها والسيطرة علي الاشخاص المحيطين بالمصاب لدرجة أن رقم المقعد بالطائرة أو البص قد  يقود إلي معرفة الجالسين بالجوار و متابعتهم كحالات محتملة،  هذه الإجراءات التى قد تبدوا بيروقراطية مفرطة لأول وهلة يعود الفضل  علي الإلتزام بها في مساعدة  نيجريا والسنغال ومالي من منع أنتشار المرض بأراضيها.
من النقاط التي أثرناها عاليه يمكننا بكل إطمئنان أن نخلص إلي أن ظهور فيروس الإيبولا ببعض دول غرب إفريقيا  لكن و تعاملها معه بالرغم من أن حدود إمكانياتها الإقتصادية  أقل من السودان لكنها أسست بعض التجارب الناجحة في التعامل مع أدارة الأزمات  التي تحتاج الي ردة فعل سريعة ، مهنية و جادة عبر خطة  تشارع أضلاعها العديد  من مرافق الدولة  تعمل بتنسيق عال مسبق لا يحتمل الإرتباك ، كما يجب أن تعمل أجهزة الإنذار المبكر بكفاءة عالية سواء علي المستوي الداخلي أو التعامل مع الشركاء الدولين مثل منظمة الصحة العالمية التي تقف داعماً رئيسياً في مثل هذه الحالات.
لما تقدم عاليه يمكننا الوصول إلي أجابة علي السؤال موضوع المقال بأن السودان غير مستعد علي مواجهة الحالة الأولي .



عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...