الاثنين، 29 أكتوبر 2018

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي عشم الإنتظار (3-5)

فحينما يدلف الي دكانه عبدالمنعم أحمد الشيخ " بهلول"  بسنون عمره التي تخطت السبعين يضحك ثم يضيف مشيت مدينة "اروا "حيث يقيم بهلول مع اسرته  لقيت سبورة في ال-بيت مكتوب فيها انجليزي سالت ده شنو ؟ ردوا علي عياله دايرين نعلمه الانجليزي، امتدت ضحكته التي شاركها بهلول بابتسامته الوقورة مضيفا قلت ليهم انجليزي شنو ؟بعد شاب دخلوه الكتاب ! هكذا محال معظم  التجار السودانيين الذين وفدوا الي شرق افريقيا اتقنوا اللغات المحلية من اللوقاندا، السواحيلية و اللكبرا والزائيرى "اللنقالا" وعربي نوبي وعربي جوبا لارتباط عملهم في مجال التعامل في البن والشاي ارتبط بالسكن المحليين ، زياره عبدالكريم لمدينة اروا كانت محل احتفاء فالجميع يعرف قدره و يتوق لونسته ، حيث يشكل دكان  "حامد"ملتقي للسودانيين ، في احد النهارات طلب بهلول من ابنه الاتصال بعدالكريم للحضور  لتناول الطعام فقد تصادف ان كان بهلول قد ذبح  الماعز ، حيث لا يفضل اهل شرق افريقيا لحم الخراف بل لعشر سنون مضت كان الجمهور لا يرتاد الجزارات التي تذبح الخراف التي ظلت حكرا علي المسلمين ، تاخر عبدالكريم في الحضور فتركوا له من اللحم ما لم يشبعه ، كان بن بهلول  يودي واجب صب الماء  لغسل يديه اضاف " يابا ما تشيل لينا  دعاء "
فباغته عبدالكريم يا ولدي لحمتكم دي ما بتديكم سورة الاخلاص خلي الدعاء !
يقول خالد حبيب الله احد اصدقاء عبدالكريم، اتعلمنا منه حسن الاستقبال حتي وان كان الشخص الاخر ليس محل ترحيب، عبدالكريم كان بارا بمعارفه ليس في كمبالا وحدها حتي الكنغو لم يتواني في مدهم بالعون بل وصل الي انه يحرص علي مساعدتهم في العلاج، في رمضان 2017أو 1438هجرية امتلا دكانه بالمواد الغذائية التي يبذلها بعض رجال الاعمال السودانيين للمساعدة والتي تزاد في ذاك الشهر  ، ليقوم عبدالكريم بواجب توزيعها علي المحتاجين الذين يعرفهم ، يحرص الا ياخذ اي من اصدقائه شيئا منها ، فهو يبلغ حد الصرامة في الامر ،احد السودانيين الذين قدموا حديثا الي كمبالا يعمل باحد الشركان مر علي محله ليحيحه و يتبضع ثم يضيف يا عبدالكريم ياخ الدنيا رمضان  و بيتي فاتح للافطار 
كتر خيرك لكن احيانا بتبقي صعبة للمحتاج يصل فلو انت عاملها علي سبيل الصدقة في ميز في حي مينقو بيتلموا فيه السودانيين الافضل انك تدعم جهودهم و  لا شنو ؟
أحس الرجل بموضوعية حديثه فشكره  جزيلا علي وعد بالمساهمة !
 ثم جافاني النوم طيلة ليل رحيله، ما كنت قايل نفسي بقدر ادخل دكانه تاني، الدكان كان عبد الكريم مش البيع والشراء، هكذا قالها خال جبيب الله ، وق اصاب  فقد كان محل عبالكريم  كذلك ففي الاسبوع الاول من شهر رمضان وقفت امراه في عمر الستين ملامحها جمعت السودان كله لفتتني اليها حميمية السلام، ما ان راءها عبدالكريم الا وطلب منها الانتظار  ليقوم بالاتصال ببهلول الذي نجحت مساعيه في الحصول علي مبلغ "4.000.000 مليون شلن يوغندي "من احد الخيرين اي ما يعادل حوالي "1400 دولار  امريكي" لمساعدتهاه لدفع فاتورة المستشفي واستلام جثمان حفيدها من المشرحة بعد ان غادر الحياه اثر سقوطه من مكان عال بالمنزل لم تنجح معه جهود الاطباء في اسعافه، بل امتدت الجهود لتشكل تكاليف حتي دفنه، امراه في منتصف الثلاثينات  من جنوب السودان احد زبائنه  لم تدر بخبر رحيله دلفت للمحل يابا وين ؟ ،أشار سليمان الغزالي الذي كان متواجداً الي مريم للاجابه، فما ان اخبرتها الاخيرة بان "يابا موتو" لم يكن من سبيل الا بافاقتها برش الماء البارد عليها  فقد هز خبر رحيله كل من عرفه سودانية جنوبية اخري باغتها نبأ رحيله لتدفع في اسي "يابا كان زول كويس لو ماعندك بيدينك لو القرش ناقصة بيديك، ياخ ما تمش تتغدي معانا، مراتب الاحترام التي حظي بها تكشف عن حالها عندما  ياتي فضل الكريم محمد الامين لمقابلته فهو يجسد مقولة يابا في سلوكه ، فضل الكريم  الذي بلغ العمر العقد الرابع تناصف الهوية شمالا و جنوبا ليضيف اليها مصاهرة من الكنغو فصار يتحدث عربي جوبا و عربي نوبي و اللكبرا ، الزائري الي جانب العربية و الانجليزية والفرنسية و السواحلية، في احدي اللقاءات قلت له انت تعكس قوة التنوع الذي نردده شعارا دون ان  ننحج بالكشف عنه عملياً أو حتي نموذج له و لو بين قوسين ،في  سرداق العزاء جاءت سيرة سامي إبراهيم موسي  الذي تناصف الانتماء السوداني الاريتري  الذي حرص علي الاتصال معزيا و طالباً من محدثيه تبليغ تعازيه للجميع لكن الواقع كان انه اتصل بجميع الاشخاص المشتركين بينه و الراحل .
ضحك ثم اضاف ظروف الحرب الاهلية  و تبادل السيطرة بين القوات الحكومية و الحركة الشعبية جعلتنا في حالة لجوء بين الكنغو ويوغندا ، ثم اضاف عملت مع عبدالكريم سائقاً في بداية حياتي في ترحيل شحن البن، ضحك ثم اضاف يابا كان زول كبير  كان مدير لشركة تعمل في تصدير البن  اتخذت من مدبنة ليرا بشمال يوغندا مقراً لها ،اضاف "كان سواق عجيب ، سواق مره واحده "في إشارة إلي مهارته  ، لم يمهلني السودانيون  كانوا رواد التجارة في مجال البن والشاي،  صمت فدون انتباه كنت قد تركته يتحدث بينما غصت في استرجاع ونسة سابقه مع عبدالكريم عن دور التجار السودانيين في شرق افريقيا، فقد طلبت منه ترتيب لقاء مع عبدالرحمن الذي اكمل لي اسمه الكامل "عبدالرحمن شريف "، ردد علي مسامعي ما ذكره خالد حبيب الله عن الرجل الملقب بكسيو و هو يعني السكين في اللغة السواحيلية لقب اكتسبه حينما كان يعمل صبيا مع والده الجوار ، فلقب بذلك فقد ظلت مهمته حمل السكاكين، التحق عبدالرحمن بالعمل في مجال تجميع البن حينما ازدهرت قرية بازي الكنغولية بداها بدراجة هوائية، كان يعمل  مع الراحل الصافي محمد المصطفي الذي شجعه فاردهر التعاون ليمتلك عبدالرحمن سيارة نقل صغيرة " بوكس "، استطاع عبدالرحمن تكوين ثروة كبيرة ليشار اليه كاحد رجال الاعمال اليوغندين المنحدرة اصولهم من اليمن امتلك المصانع و المحال التجارية بمسقط راسه مدينة اروا و العاصمة كمبالا الي جانب احد اقدم شركات النقل التي تمتلك اسطولا من الباصات عرفت بنايل كوش  تجوب الطرق المعبدة من ممبسا علي المحيط الي جوبا " قبل ان تتوقف" مرورا بنيروبي ، علي بعد 102 كيلومترا قبل الوصول الي مدينة كمبالا  تمر بمدينة جنجا التي تمثل  بنقطة الصفر التي تلتقي فيها بحيرة فكتوريا و منابع النيل ذكر عبدالكريم عن الحفاوة التي استقبل بها عبدالرحمن حاج الصافي في مدينة كمبالا  بعد ان استقر الاخير في الخرطوم، اضاف عبدالرحمن محتفظ بالعشرة ما حصل خلي زول من السودانيين البعرفهم من زمان او عرفهم لاحقا يدفع ثمن التذكرة بل ان حوشه بحي مينقو مفتوح للافطار في رمضان .
أمراه اخري من سودان ما قبل الانفصال ، علمت بخبر رحيله لتستقل الباص من مدينة جوبا بجنوب السودان مسافة يقطعها في 12 ساعه لتحضر الي محله لتقدم واجب العزاء فيه ، تخرج لتدلف امراه اخري تطلب من " مريم " بعض الاصناف كان سليمان الغزالي منكبا علي طاولة المكتب للبحث عن بعض الاشياء في ادارجها ، عندما همت بالحساب انتبهت الي انه سليمان فسالت يابا و ين ؟ سافر الخرطوم ؟
يابا توفي
 متين ؟ قبل شهر

سقطت حقيبة يدها  علي الارض اولاً، ثم غابت في اغماء لاصابتها بمرض السكر ، بذل الجميع جهدا لافاقتها التي تمت بعد معاناه ، توالي الاحداث تدثرت مريم بالحزن فعاب مرحها بل ظلت تلتزم الصمت اغلب الاوقات ، خبأ شغفها في تعلم العربية ،فهاهو يقطن قبالتها منذ رحيله فلا يكاد يمر يوم الا و يمر علي المحل من يفتح دفتر حزنها علي مصرعيه .

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي عشم الإنتظار (2 -5)


إمراه من سودان ما قبل الانفصال ،ملامحها تشع بالبهجة ،سنون عمرها لامست العقد الرابع ، دفعت نحوه بتحية مرحه ، فاستقبلها عبدالكريم بابتسامة عريضة ، ثم عرجت لتشملني بتحية بسلام بعد ان انتبهت الي تواجدي داخل المحل ، كانت في عجلة من امرها فمدت اليه بلفاقة من البلاستيك سترت ما بداخلها ، فتحها لينظر اليها ثم يضيف اها الدبارة كيف ؟
و الله ما عارفه انت شوف بتجيب كم ؟
حاولت التسلل من المحل لترك مساحة للخصوصية ـ إلتفتت  ناحيتي منهية محاولاتي للخروج يا ود العم مافي حاجة ما تمش ،اضافت و الله كنا موظفين محترمين الانفصال جهجهنا لحدي بقينا نبيع في المقتنيات الشخصية ، إنعقد لساني و اعتراني حزن عميق ، باغتتني كنت شغاله في منظمة ددولية في الخرطوم مشيت فقدت وظيفتي بعد السفر للجنوب و انتهي بي المطاف في يوغندا ، ناولها عبدالكريم ما تعمدت عدم رؤيته من النقد رغم انه كان في مسار رؤيتي ، ودعتنا لتخرج بخطوات مسرعه .
عبدالكريم حاضر البديهة عال كعب السخرية ، يهزم خصومه و مجايليه بجزاله التعليقات التي لا يكون بعدها متسع للتعقيب ، فصار عبدالكريم " معيار رسم " للتوقيع علي دفتر السخرية بامضاء حمل بصمته التي تتشكل خطوطها  من عبق الضحكة  " عبد الرحيم " يدلف الي دكانه يقف في مواجهة الجانب الشرقي من الدكان تراصت زجاجات العطر ، الانارة القوية  و الزجاج  علي الباب يعكسان  الضوء  ليصبح ذلك الجانب اول ما يلفت انتباهك ، اشعل ابتسامة جعلت عبدالكريم في تحفز  لالتقاط القفاز فما بينه وعبدالرحيم ينتمي الي المجادعات التي تكتسب دسامتها من ابراز النتاقض الذي  يدفع الخاطر للقهقة قبل الشفاه .
من بره شفت القزاز قلت القصة قلبتها بار و لا شنو ؟
اطلق  عبدالكريم ضحكة حد القهقه ، ثم اضاف و الله برص في القزاز و عارف المسالة دي ما بتمش ساي ، اها من الاخر دي ارياح فيها لحدي الخمره ، تاني شنو !
ثم مضي مستلما زمام الحديث لما كنا في  بازي( احدي البلدات بالكنغو)  في واحد صاحبنا " أحمد"  التجارة ما مشت معاه و معاه صاحبه متلازمين طوالي  ، اها الجماعة سالوه مالك  امورك معكسه ؟  قال ليهم كان مباريني الزول ده اموري تمش  كيف ! ، اها ربنا فتحها عليه بقي شغال في الفول "الجنجارو " فقام ادي صاحبه ده شحنه قال ليه امش بيعها في مدينة بور و اعمل  ليك راس مال و اشتغل ، بعد عام قدم الي بازي قادم من مدينة بور
سعي الرجل لمقابله " أحمد"   ليخبره في تبرع إنتمي للنميمة ، عرفت خبر صاحبك ؟
صاحبي منو ؟
قال ليه الأديته شحنه الجنجارو ؟ و مالو ؟
الجنجارو الساعدته بيه باعه و فتح ليه بار في بور " قصد مدينة بور " بولاية جونقلي
فتح بار ؟ هكذا رددها  ، فانفتحت شهية "المشاء بالنميمة " ليجيب و قد بلغ به الانتشاء مرتبة" بين  طيات السحاب "
 اَي فتح بار !
ليباغته مره اخري مستوثقاً :
 قلت لي بار !
 ثم دفع بالقاضية  و "الله لقيتي تابت "...
 فلم يكن من عبدالرحيم سوي الانسحاب و رفع الراية البيضاء 
لم انتبه الي مكالمة  مدثر الكعيك التي كانت عند الساعه السادسة مساء فقد تزامنت مع مواعيد ضبط المنبه الذي يعييني  علي النهوض في تمام  ذاك التوقيت، انتبهت اليها  وانا اراجع سجل هاتفي لألحظ محاولة إتصال اخري من العم أحمد باب الله الصديق المشترك بيننا وعبدالكريم و خالد حبيب الله، قررت مهاتفة مدثر حسب سبق إتصاله وصوته  كساه حزن عميق باغتني قائلا" البركة فينا في عبدالكريم" مضت لحظات قبل أن أعاوده مرددا دعاء بالرحمة واللطف به، عز المصاب، الفقد جلل "ثم مستفسراً عن ماحدث ليخبرني بأنه فارق الحياه في تمام الخامسة صباحاً، اضاف أن تلقي الخبر من الممرضة التي تسكن بالقرب من منزله فقد كانت علي موعد لحقنه بالدرب، فعندما شعرت بتأخر حالته قامت بالإتصال باخر الارقام التي وردت في هاتفه قائله " يابا موتو" اي في حالة احتضار و قبل أن أرتدي ملابسي رن هاتفي مره ثلانية ياتيني ذات الصوت بعربي نوبي قائلة " يابا موتو " اي فارق الحياه،  العم أحمد باب الله  اجاب مهاتفتي مطلقا الدعاء عليه فقد كان اخر لقاء بيننا في –قبل عطله عيد الفطر  حيث كان مغادراً الي مدينة أروا اليوغندية التي قطن بها الي جانب عدد كبير من السودانيون اكسبو أروا ملامح سودانية حتي علق الصديق امير سليمان قائلا ربما قد ياتي يوما وتصبح فيه اروا مقاطعة سودانية  تنادي بالاستقلال علي غرار ممبسا الكينية.
رحل عبدالكريم في الساعات الاولي من صباح الاثنين السابع عشر من اغسطس  رحل و خاطره يتشوق لزيارة والدته التى كانت قد ذكرت بانها ستكون بانتظاره في المطار ، رحله كان قد عزم علي مشاركته فيها اصدقائه عبدالمنعم " بهلول " وسليمان الغزالي الرجل الخلوق الذي ظل حضوره  في كل مناسبات السودانيين بشرق افريقيا، عبدالكريم بضحكته التي لا تهدأ يردد طالما ما معانا سليمان ما بتجينا عوجه "  لكنه كان علي موعد اخر ليؤجل سليمان الاخر السفر الي قضاء عطلة عيد الاضحي مع اهله بمدينة بارا بشمال كردفان،ظل يناكف عبدالكريم حول تاريخ معرفتهم فيدفع ضاحكا ان جيت لقيتك قدامي ب 12 سنه، يوم الرحيل  كاد ان يسقط من الاعياء الذي زاد من لوعته الحزن، يضيف سليمان معرفتي بيه قديمة  ثم يبتسم دخلنا كمبالا مع بعض هو قدامي كل زول فينا كان سايق لاندروفر استيشن اتحركنا من جوبا،  في تشييع عبدالكريم بمقابر المسلمين بحي كلولو الذي ورث عراقته من مبانيه فقد كان الحي البريطاني ابان الحقبة الاستعمارية، إحتشد بالمشيعين الذين تلقوا العزاء من بعضهم البعض فالراحل كان واصلاً للجميع أخوان الغربة جبسوا دموعهم مغالبه مدثر الكعيك،سليمان الغزالي، الطاهر عبدالرازق، خالد حبيب الله و عبدالمنعم بهلول، و اخرين لا يسع  المجال لذكرهم، حملت الخطوط الرواندية من مدينة  جوبا  أخيه الأصغر إلي جانب اثنين من أقاربه و صديقه محمد عثمان ليشاركوا في الصلاه الاخيرة قبل دفنه  المشيعين كانوا يتلقون العزاء من بعضهم البعض، حين اقتربت الساعه الخامسة مساء  تحدثت الي الي صلاح عمر الذي عرف عبدالكريم في مدينة توريت في 1969 يا صلاح باين عليك الفتر  فقد ظل منذ سماعه الخبرفي الساعه الخامسة صباحا مرابطا قرب الجثمان بمسجد منقو حتي المقابر، رد قائلا " ده الكبر نحن ما صغار" كان قد اخبرني عندما التقينا صباحا حيث الجثمان، أنا لاقيته في توريت كنت طالب في الوسطي جيت اجازة ، هكذا ارتبط تاريخه بالكثيرين .
حاشيه
@ عبدالرحيم إسم غير حقيقي

@ أحمد إسم غير حقيقي 

الاثنين، 1 أكتوبر 2018

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي عشم الإنتظار (1 -5)



إكتست تقاطيع وجهه الستيني بملامح جدية، لتكشف عن أهمية ما يود الإفصاح عنه " أنا مسافر العيد داير أمش أشوف أمي"  اعقبها بضحكة  ليداري بها الحنين الذي سكن نبرات صوته أضافالأمين الشاذلي حدثني : قال لي لو ما جيت العيد بجيب ليك أمك لحدي كمبالا ،أضاف أنا أصلا داير أمش لكن كان إتاخرت " الأمين" بعملها ،إستدرك "النعيم" حدثني بمناسبة عرسه في ثالثة العيد ما بقدر افوته هم ما بعيدين مننا ، كنت قد قابلت  النعيم في الإسبوع الأخير من شهر  رمضان المنصرم . فهو شاب  في منتصف الثلاثين من العمر ، جهور الصوت ، ضحكته المترعة بالود تعلن عن حضوره ، ظل يمارس تجارة التباكو بين شرق افريقيا و مدينة جوبا ،أضاف تذكرتي ذاتها حجزتها علي شركة  " تاركو "  للطيران ، التي بدأت رحلات منتظمة بين مطاري  الخرطوم وعنتبي مروراً ب  جوبا ، دار ذاك الحديث بيننا في نهار السبت 11 أغسطس من عام 2018 اي قبل ثمان ليالِ من عيد الأضحي، عقبت علي عزمه مشجعاً "طالما داير تشوف أمك تب مافي كلام  " غرق في التجهيز لشدالرحال فرغم أناقته التي لا تخطئها عين فقد حرص علي  إقتناء ساعة يد و حذاء ، كلف بها من أحضرها له من مدينة دبي ، حركة لا تهدأ  وصايا حملها هاتفه الي أحد اقاربه بالخرطوم  لتجهيز جلاليب العيد، كما حرص علي شراء أجود أنواع الشاي و البن اللتان تشتهران بهما يوغندا .
ضربنا موعدا للقاء في نهار الجمعة 14 أغسطس، تصادف أن السماء قد تزيأت من الصباح الباكر  الغمام الذي أنذر بهطول - قريب و غزير، حين قاربت عقارب الساعه من منتصف النهار كنت لا أزال منهمكاً باداء بعض الأعمال فقررت مهاتفته للإعتذار  و تأخير اللقاء ، جاني الرد متكرراً " هذا المشترك لا يمكن الوصول إليه حاليا" برجاء المحاولة لاحقاً " ،بادرت بالإتصال "بمدثر الكعيك "فهو أحد المداومين علي المرور بمحله  ليخبرني بأنه لم يلتقيه منذ يومين لإنشغاله بإنجار بعض الأعمال ،إستجاب  الإرسال ليجيب الطاهر عبدالرازق علي الطرف الاَخر الذي كان في طريقه الي وسط المدينة " أنا ذاتي حاولت تلفوناته لقيتها مقفله خليني أصل المحل و أشوف الحاصل "، بعد إنهائي الحديث معه  تذكرت بأني أحمل رقم هاتف " مريم " التي تعمل مساعدة له في خدمة الزبائن جاء ردها في جملة اختلط فيها لغة عربي جوبا بالإنجليزية بالانجليزية " يابا Went to the Hospital “  إستفسرتها لتخبرني  بالعنوان ، ليأتيني ردها بأنه تقصد Nasambia General Hospital “" ، كانت تخاطبه توقيراً  بلقب " يابا" الذي شاع إستخدامه  في كل من لغتي عربي جوبا   و عربي نوبي الذي ينسب الي لغة النوبين المنحدرة أصولهم من إقليم جبال النوبة بالسودان ، فقد حملتهم أحوال المشاركة في الحرب العالمية الأولي للإستقرار في دول يوغندا في أحياء كاويمبي و كيبولي التي شكلت تصريف من كلمة قبولي المشتقة من لفظ القبلة  بالإضافة الي ضاحية بمبو التي تبعد 30 كيلومتراُ في الشمال من كمبالا و حي كابيرا بدولة  كينيا  ، لمريم  تجربة سابقه في العمل مع الراحل علي ميرغني الملقب "بوردي "في ذات النشاط .
بعد نصف ساعه رن هاتفي  كان هو علي الخط الاخر ،
باغته شفقتنا   كم رقم الغرفة عشان أتحرك عليك ؟؟  كنت أعلم بمعاناته من التهاب بالصدر  ظل يشكو منه طوال الإسبوع المنصرم لم يمهلني
فرد قائلاً : أنا طلعت من المستشفي  في الشارع ماشي علي المحل ،
أنا في الشارع ماشي علي المحل،حال هطول المطر بتأخير اللقاء ليجيب علي مكالماتي ليخبراني بأنه غادر الي منزله،كان يقطن بحي مينقو العريق بوسط كمبالا القديمة الذي يضم أجناس  مختلفة من اليوغنديين ، السودانيين  ، اليمانيةو العمانيين الي جانب الصومالين ، طلبت منه أن يخلد للراحة علي وعد أن نتلقي خلال عطلة  نهاية الإسبوع فردد علي مسامعي جملته التي تعتبر بصمة خاصة به تقف مقام الإتفاق :مافي كلام !
داوم في اليوم التالي للحضور من الصباح الباكر فقد أقترب توقيت السفر ، عند الساعه السادسة مساء غادر ليترك مساعدته مريم بالمحل الي جانب أصدقائه الذين همو لمعرفة أحواله ، سليمان الغزالي  عبدالمنعم أحمد الشيخ الذي إشتهر بلقب بهلول " خالد حبيب الله ، الطاهر عبدالرازق و الأستاذ ادم البدوي ، الذين غادروا في تواقيت مختلفة إمتدت حتي مواعيد إغلاق المحل تمام السابعة مساء .
يوم الأحد يكون فيه حضوراً بمنزل  الأمين الشاذلي الذي يشكل ملتقي  لبعض السودانيين ،لأمين سيرة تحتاج الي حيز منفرد فالرجل في بشاشة إستقباله و كرمه و سعه يده جعلها عونا و سنداً  بعدها ليمضي في إسترخاء بقية اليوم الذي يصدف فيه خروجه الي منزل عماد موسي الذي لا يبعد عن منزله اكثر من مائتي متراً  ليعود ممارساً هوايته المفضلة في مشاهدة التلفاز فهو علي عشق مع القنوات السودانية التي تشكل عمق الحنين لديه فهاهي سنين استقراره بشرق افريقيا ، ترحابه بالسودانيين يبلغ حد الاحتفاء في شهر رمضان المنصرم صدف أن زارت محله إحدي السودانيات  بغرض الحصول علي بعض المسلتزمات السودانية ، فقد كانت زياراتها الأولي لكمبالا بمعاودة بعض أقربائها حرص علي اكرامها لكنها تعللت بضيق الوقت ، ليمتد الحديث و تساله عن سنين تواجده بوغندا ،
 ضحك ثم اردف ما كثير ذي ال43 عاماً بس ! ،  ليتركها للاندهاش و بس!
ما عندك نيه ترجع ، قالتها :

يا بتي خلاص أتعودنا علي البلد دي مضيفاً قبل سنتين مشيت عزاء والدي "عليه الرحمة " ، بعد كل فترة و التانية يقولوا لي في نساء عايزات يعزنك ، أمش عليهن بعد الفاتحة الواحدة تسالني عرفتني ؟ ثم أطلق ضحكة طويلة مضيفاً والله ما عرفت أقول شنو!

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...