السبت، 3 نوفمبر 2018

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغو والمناقل اضاف انا كنت بسوق في الرالي بتاع يوغندا لكن ابوذكيه طلب مني "اقيف "  قال لي "هسي كان اتكسرت الفايدة شنو؟ "،
 تعلم ابوسروال السواقه من خاله هاشم في سن مبكره فصار احد ابرع السواقين بين مدينة بازي السودانية الحدودية  و مدينة المناقل حيث  اشتهرت عباره" يا المناقل يا المقابر"  في اشارة الي سرعة السائقين ومهاراتهم في قيادة شاحنات البن والشاي في فترة لا تعدي الثلاثة ايام حيث كانت الشاحنات تقف علي صفحة السودان " اي داخل الحدود السودانية " ليتم شحنها ثم الانطلاق منها
  للسودانيين بالكنغو سير وتواريخ ، ابتسم ثم قال ، من التجار الاستقرو بالكنغو (مصطفي ) أسس محل تجاريا يعاونه فيه صبي كنغولي، و بعد ان  ازدهرت تجارته اوفد احد اقاربه من الخرطوم ليساعده في ادارة المحل ، خاف الصبي  من منافسة الوافد الجديد  فخاطب[1] ( مصطفي ) بعد أن وقف امامه في تأدب يابا انا داير اخش الاسلام !
ادرك ( مصطفي )  الدافع ، داير تخش الاسلام ؟
اي !
مافي خانه فاضية هسي لكن لو طلع زول بندخلك !
عمل عبدالكريم في مجال تجارة البن ووكيلا  لكثير من التجار في شراء البضائع التي ترحل الي الخرطوم و جوبا، دكانه كان ملتقي للسودانيين من السودانين بل كان قبله لحل النزاعات البسيطة يصعب المرور علي المحل و الخروج منع بعد زمن قصير فهنالك دوما ما في الانتظار سواء لقاء شخص جدبد او خبر ما فهو وطن مصغر، في حال الوطن و سير السياسة فهو يميل الي المناكفة و لا سيما حينما يكون طرف الحديث هاشم بدرالدين يتعمد من اجل حرارة الحديث ان يقف علي النقيض منه، مرور رمضان حسن نمر للتحية يقابله بتقدير كبير ، وكذلك  الحال مع أمين حسب الرسول .
الهادي دفع الله الرجل الذي يجعلك تقف بجواره في مودة منذ لقاءك الاول به فهو صنو للبشاشة ، كلماته تخرج محسوبة في مهل لانها تعرف مسارها، عرفته في ديسمبر2008 بمدينة جوبا ، حين يكون في كمبالا فمقره محل عبدالكريم يداوم عليه ، فما ربط بينهما تاريخ وعشره امتدت لاكثر اربعة عقود ، وجوده يحول محل الي منتدي  ففهو أنيق في تخيره الحديث كاناقته  الحديث عن الاناقة والاتزام يجعله يدلف الي الحديث قائلا  كمبالا دي في التمانينات سواق التاكسي كان لازم يلبس كرفته و يتهندم بالاضافة الي الحذاء المغلق ، في ذات النهار  جاء حميد محمد فضل الله " حميدة العربي" السفير الفخري للسودان بالكنغو كنشاسا ليدلف الي المحل لتبدا الضحكة عاليه بينه وعبدالكريم فكلاهما حريف المزاج في الحكي و المجادعة التي تتخلق الي طرف عاليه " نكتين الكيف"
علي مهل جلست  اليه بمنزله بحي منقو في احد ايام عطله نهاية الاسبوع من العام 2014، نادي علي الحارس الشاب قائلا " وي وي -" بالسواحيلية، كان يود تكليفة للقيام بواجب الضيافة، تمنعت عن ذلك متعللا باني علي مايرام،" ثم دارت كاسات " الونسة حكي عن تاريخ مهمل فالرجل و صديقه محمد الملقب بمحمد شندي الذي طاب له المقام بمدينة ممبسا الكينية، فقد تصادف وصولهم الي مدينة كيقالي الرواندية بداية الاحداث التي انتهت بالابادة بين الهوتو والتوتسي، عرج الي ان اجود انواع الشاي كان  تنتجه المزارع التي ملكها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي برواندا، ثم كيف قاموا بمقايضة اما حملوه من ( خردوات بالشاي و البن.
ياخ شنو حكايتك؟
في شنو يا عبدالكريم
أنت مش حدثتني انك جايب لي اغاني الحقيبة في ذاكرة ؟
  الله ياخ و الله نسيتها !
مالك الحاصل عليك شنو؟
مشاغل الدنيا ثم ضحكنا !
مرت الايام و قصدت منزله حاملاً اليه ذاكرة مترعه باغاني الحقيبه، اكتشفت انه حافظ مجيد لمعظم الاغنيات، فدفع بالفلاش للاستريو الذي يقبع بالقرب من سريرة  قبل ان يبدا في ترديد كشف عن جمال صوته
من فتيح للخور للمغالق
من علايل ابروف للمزالق
قدله يا مولاي خافي حالق
بالطريق الشاقه الترام[2]
لاحظ انشداهي مع ترديده فسالني مبتسما مالك ؟
قلت ليه قبل أسبوع  كنت في ضيافة استاذي وصديقي فيصل الباقر  بمدينة نيروبي  في طريق عودتنا من زيارة بروفسور عبدالوهاب السناري ظل يردد ذات المقاطع لفيصل الاخر صوت جميل ، فاهي احد الاغنيات التي اعشقها تغشي طبله اذني  بردا وسلاما  للمرة الثانية في اسبوع من ايام الله ، البركة فيكم قالها فيصل عند زيارته لكمبالا بعد رحيل عبدالكريم باسبوعين ، قلت ليه ياخ فرقته ما بتتسد ، تتخيل لم اكمل معه ما بدات من توثيق ، رحت احكي له عن حديث عبدالكريم عن الراحل عبدالحكم طيفور القطب الاتحادي  ، وكيف وصل الي الجمعية التاسيسية في اول برلمان سوداني عن دائرة كاجي كاجي ، وعن انشطته التجارية كوكيل حصري لماركة السجائر الاسبورت مان الكينية .
ثم دلفت الي استنهاض ذاكرته عن مدينة بازي اليوغندية التي قصدها التجار السودانيين في 1978 حدثني كما فعل من قبل خالد حبيب الله عن بانقا احمد المصطفي الرائد الذي قصد تلك القرية الصغيرة لتصبح بعد سنوات احد اهم المراكز التجارية في شرق افريقيا الي ان خبا وهجها في العام 1991م نتيجة لتسارع وتيرة الحرب الاهلية بالجنوب و انتقال السيطرة بين الحركة الشعبية و الحكومة السودانية علي مدن حدودية عده، " اضاف بانقا من منطقة وادي الشعير "اضاف في 2004 مشيت سايق جيت عابر بشارع السودان لقيت ليك بازي بقت عبارة عن غابه شارع السودان  بالجانبين  غطاها الشجر .
مقابر المسلمين بحي كلو لو  صدقة لاحد المسلمين الباكستانين ، في تشييع عبدالكريم  نسون حرصن علي القاء الوداع الاخير ، نظرت اليهن عرفت بعضهن ممن يعملن في المحال المجاورة لمحله ، بكين عبدالكريم  بكاء الاب و الاخ ، علقت احداهن  بعد الدفن قائلة بعربي نوبي "  ما كنت قايله انتو بتحبوا يابا شديد "  ، لم يتخلفن كسائر من عرفوه حضور " رفع الفراش" الذي اقيم بمنزل الامين الشاذلي بكمبالا فانخرطن في الطبخ و تحضير الغداء و تقديمه ، ليمضي اسبوع اخر و يجمعنا  خالد حبيب الله في رابع ايام العيد ، تحدثت الي الامين الذي كان  يبدومنهارا رغم تماسكه "الحزن سلطان " ،تحدثنا عن التشيع المهيب و مفاجاه عبدالرحيم لنا بالرحيل ،فقال  باسي و الله الدخلها فينا كلنا ما مرقت لسه !
و الماقي امتلات بدموع النساء و  الرجال بعد صلاه الجنازة عليه  وجدت نفسي اسير الي جانب عم عبدالمنعم احمد الشيخ  " بهلول " الذي اختلط حزنه بالارهاق، نظر الي الجمع الذي زحف حاملا الجثمان ثم التفت الي قائلاً " المحظوظ  يودعوه أصحابه  ".



[1] - إسم غير حقيقي
 مقطع من اغنية ماهو عارف – للراحل خليل فرح [2]

ليست هناك تعليقات:

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...