الأربعاء، 27 يونيو 2018

رد علي مقال عمر الدقير : هل كرة القدم عقبة أمام التغيير ؟


نشرت صحيفة  أخبار الوطن السودانية الي جانب عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية مقالاً لعمر الدقير بعنوان هل كرة القدم عقبة أمام التغيير ؟  ،إستعرض في فاتحة المقال مستشهداً بتجربة المناضل نلسون مانديلا في فترة سجنه و حرمانه لاحقاً من ممارسة كرة القدم التي كشف عن دورها في مساعدته ورفاقه علي تحمل قسوة السجن لكونها كانت  تبعث الأمل والصمود"  ـفهي تبعث في المرء “روح المقاومة ورفض فكرة الهزيمة”، تلك الكلمات التي بقيت نشيداً على لسان مانديلا وهو يردد قصيدة “الشخص الذي لا يقبل الهزيمة” " مضي المقال الي النواحي الإيجابية لكرة القدم التي أشار اليها بترجيح الروح الجماعية لتسمو علي الفردانية ، في مثال أتخذ من دولتي  " السنغال و الارغواي " بالرغم من عدم الربط بمشاركتهما في نسخة كأس العالم 2018 لكن يفهم ذلك بديهيا من الاستشهاد  أشار الي كيف ان ميدان كرة القدم تغيب حدود مستطيله  اختلال النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري بين المتباريين "المتنافسين"  في تمهيد للخوض في موضوع المقال إستشهد بالمفكر البرطاني   تيري إيجلتون"  الذي يعتبر  كرة القدم " مؤامرة رأسمالية تجب محاربتها" [1]
 و من ثم كشف كاتب المقال عن وجه نظره التي تلخصت في التالية ،الاولي محاولة إلتفاف كثير من الحكومات حول كرة القدم كتعويض لافتقارها لمشاريع تلتف حوله الجماهير  نتيجة لفشل رؤاها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و بعدها عن الواقع " فكثيرٌ من الحكومات تحاول أن تجد في كرة القدم تعويضاً عن افتقارها لأي مشروع تلتف حوله الجماهير - بعد سقوط مشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في امتحان الواقع - وتستخدمها لإلهاء الجماهير عن همومها وقضاياها الأساسية وعن المطالبة بحقوقها المهضومة"،[2] النقطة الثانية مرتبطة  بالاولي و لخصها في تحول الاندية الرياضية تحولت كبديل لرمزية الاحزاب ، النقطة الثالثة عرجت علي  الاقتصاد المرتبط بكرة القدم و الاموال التي تصرف عليه بما في ذلك مسالة التجنيس للمحترفين الذين وصفهم بالكود الشعبي المقابل لعدم الاحترافيه " المواسير "
قبل الخوض فيما أثاره المقال لابد من الإشارة إلي أن نفوذ كرة القدم الواسعة النطاق لا يمكن النظر إليها خارج سياق نشأتها التاريخية و طبيعتها الشعبية التي دفعت بها الي أن تمضي في سياق تطور يخصها يمثل محفل منافسات كأس العالم أحدي تمظهراته كتجمع عالمي ، كرة القدم أو الأنشطة الرياضة الأخري  تلتقي مع  ممارسة العمل السياسي في أنها تستند علي و تعزز من حرية الاختيار أجدني أتفق مع النقاط الإيجابية التي اشار إليها مع الاشارة إلي أنه في تقديري أن العزل الذي تم للمناضل نلسون مانديلا من ممارسة و مشاهدة كرة القدم قصد بها العزل السياسي لتضيق مساحة تبادل الافكار و النقاش السياسي  في الفترة الزمنية التي تتيحها فرصة اللقاء مع الرفاق بقصد ممارسة اللعبة ،اكثر من كونها قصدت الإيلام و الغاء جذوة الأمل و الصمود . كذلك اجدني علي وفاق علي ما ذهب اليه حول مستشهدا بدولتي (السنغال و الأرغواي ) حيث  سقوط الفوراق السياسية و الاقتصادية و غيرها بين الدول عند حدود مستطيل ميدان اللعبة "،مثلما تتيح لدولٍ صغيرة وليست ذات نفوذ سياسي أو اقتصادي أو عسكري كبير - مثل السينغال والأرغواي - أن تُلَقِّن الدول الكبرى دروساً في المهارة والبراعة والخطط الهجومية والدفاعية وتنزل بها الهزيمة وكأنها تنتقم من تهميشها على أرض الواقع" [3] و هنا أشير إلي أن المشاركة في كأس العالم رهين بالتأهل و الفوز  من جانب لكن ما يستند المشاركة إبتداءاً هي فكرة  السيادة التي بموجبها  تتساوي جميع الدول في المشاركة  الامر الذي يبعد النفوذ السياسي .أو الحالة السياسية لدولة من الاقتراب او التاثير ، بالتالي  لاتجد الاراء التي اوردها الكاتب عن المفكر البريطاني تيري إيجلتون ، بوصف كرة القدم بالانحياز للرأسمالية أو وصفها "بأفيون الشعوب" ما يسندها بل بالنظر بافق مفتوح الي منافسات كاس العالم التي تجري منافساتها حاليا فهي تعزز من  الارتباط الوطني في رمزية البدء بترديد  السلام الجمهوري  و تشهد صافرة النهاية مصافحة بين المتنافسين في كثير احيان ، من ناحية كما كما اشرت ان قواعد اللعبة تستند علي تطبيق القواعد بحياد و احترافية فكما ظلت سجلات منافسات كاس العالم تخلو من حضور مميز للدول الراسمالية او الاشتراكية  استنادا علي ايدلوجياتها .
ما ذهب اليه كاتب المقال  بان كرة القدم اصبحت تستخدم للالهاء من الحكومات المستبدة في حال عجزها عن الوفاء بالتزامتها التي تفرضها علاقة المواطنة و التداول السلمي للسلطة يقدح في حرية الاختيار و يصف ممارسي وعشاق كرة القدم بالانسياق الاعمي وراء خطط السلطة الحاكمة . ما ذهب اليه الكاتب باستخدام كرة القدم لمدارة فشل بعض الحكومات و عجزها لا يمكن تناولة بمعزل عن ايدلوجيات تلك الحكومات الا انه في حالة السودان علي سبيل المثال فبالرغم محاولات السيطرة الادارة علي ادارات الاندية الرياضية والانفاق المالي و دعم بعض الولاة للفرق الممثلة لولايتها في الدوري من  خزينة الدولة  فبكل بساطة واقع كرة القدم السودانية ظل يشهد تراجع رغم ذلك  لانه كنشاط مثله و الفن  له كيميائه الخاص بعيدا عن الايدوجيا  ، التفاف الجماهير رغم السيطرة النسبية من قبل السلطة اداريا فهذا يعبر عن وعيها بفلسفة و مساندة خياراتها في فصل بين الانشطة الحياتية الطوعية (ممارسة الرياضة ،السياسة وغيرها ) ، فالاندية الرياضية اقدم تاريخا من الاحزاب السياسية من حيث النشاة فنادي المسالمة الامدرماني اول نادي تاسس في العام 1908 (تاريخياً حيث بدأ تأسيس أندية كرة القدم في العام 1908م بإسم نادي المسالمة - والذي تحول فيما بعد أساسا لفريق المريخ السوداني- وكذلك نادي بري في العام 1918م تقريباً ، ثم تتالى تأسيس الأندية تباعاً : الموردة 1925م ، المريخ 1927م ، الهلال 1930م [4]،  ، بل استطاع القطاع الرياضي ان يتفوق علي السياسي  ففي القريب اجبر الاتحاد الدولي لكرة القدم السلطة  بعدم التدخل السياسي فيما يرتبط بالنشاط الرياضي  في الصراع حول انتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم في 2017 .
في الدول التي تضيق فيها ممارسة الحريات يتسع نطاق البحث عن مساحات ممارسة حرية الاختيار  كانحياز يعلي من كعب الانحياز لحرية الاختيار كمعادل لرفض الخيارات بقوة السلطة ، بل هي تمضي اكثر لتعبر عن سلمية حالة الذاكرة التي تري في التنافس النزيه معبرا عنها فاذا كان ثمة تساؤل في تقديري يجب ان تجيب عليه الاحزاب او القوي السياسية التي تري في الامر معيق للتغيير وهو دورها و علاقة برامجها بكرة القدم او الرياضة بشكل عام ؟ وماهي رءاها تجاه الامر ، فتاريخ السودان ربط بين الاندية الرياضية و النشاط السياسي المرتبط بالحركة الوطنية  علي سيبل المثال لا الحصر ان حرق العلم الانجليزي في 1952 بمدينة الفاشر عاصمة مديرية دارفور انذاك استضاف نادي هلال الفاشر الاجتماعات  التي سبقت الحدث,
اقتصاد كرة القدم في الواقع السوداني اشرت اليه عاليه لا ينفصل عن الواقع العام المرتبط بسيطرة الدولة علي الموارد  بما يشمل الانفاق علي استجلاب المحترفين ذوي المستويات المتواضعة بمبالغ ضخمة ، لكن  علي سبيل المثال لا الحصر  في ربط اقتصاد كرة القدم بالسيادة و والنظر اليه كمورد جديد فتكفي الاشارة الي مثال واحد فبالرغم من الصراع في الشرق الاوسط بين المملكة العربية والسعودية والامارات في مواجهة قطر والحصار الذي وصل مرحلة المجال الجوي الا ان قطر  الان لاعب اساسي في اقتصاد كاس العالم سواء عبر رعاية الخطوط الجوية القطرية و حصرية بث المباريات علي قناه  Bein Sportsبل كفلت لها القوانيين مقاضاة القرصنة  ، فالبرغم من الصراع ووجود حلفاء للطرفين عالمياً الا ان الامر لم يؤثر علي موقف قطر الفاعل  في كاس العالم  مما يشير الي ان اقتصاد كرة القدم تحكمه شروط قد لا تستطيع الصراعات السياسية التاثير فيه بشكل مباشر  مما يعزز من النظر الي كرة القدم كاحدي جوانب الانشطة الطوعية في مسرح الحياه  دون تركيز  الرؤية  من زاوية ايدلوجية
اخيرا قبل الحديث عن التغيير في تقديري ان تحديد ماهيته يقود الي وضوح الرؤية حول الامر لكن بشكل عام ان التغيير بمفهومه الذي يعني التغيير  الشاملسياسيا و اجتماعيا واقتصاديا تصنعه البرامج الملهمة ذات الخيارات والبدائل التي تتناسب مع الواقع في ايجابية يمكن ان تجعل من كرة القدم مساهم في التغيير او تخلق اللحظة التاريخية له، اما النظر الي كرة القدم  كمعيق للتغيير فهو ربط شابه خلل منهجي، بالنظر الي مفهوم التغيير  علي نسق ما ذهب اليه الكاتب يجعلنا نستصحب دور الاحزاب الاسياسية  او قوي التغيير من ناحية الاستعداد الذي يتمظهر في ابسط الصور وهو التحالفات السياسية (وحده قوي التغيير) مع وضوح الاهداف بما يشمل مفهوم التغيير الذي تعنيه الذي يشمل الاجابة علي ما يجب فعله في فترة ما بعد التغيير، مع  ذلك تسظل اندية وجمهور كرة القدم خيارات حره اقرب للوجدان .بعيدا عن الايدلوجيا .





[1] - إقتباس من المقال .
[2] -إقتباس من المقال .
[3] -إقتباس من المقال .
[4] - الإمبراطورية السودانية لكرة القدم ، صحيفة الراكوبة الالكترونية 8 يونيو2017 ، د. فائز إبراهيم سوميت.
مصدر الصورة محرك البحث قوقل 

الاثنين، 25 يونيو 2018

جنوب السودان : الإرادة الوطنية للتسوية السياسية




في  21يوينو 2018شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لقاء  جمع بين فرقاء دولة جنوب السودان حيث إلتقي الرئيس فريق أول سفاكير ميارديت و نائبه السابق الدكتور رياك مشار أحد قادة فصائل المعارضة الرئيسية بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ، كشفت  تصريحات الطرفين  عن حصيلة اللقاء حيث عبر "كير " عن تفضيله لشخصية اخري من كتلة المعارضة لشغل منصب النائب الاول مستثنياً  " مشار "، الأمر الذي كشف عن تباعد الثقة بين الطرفين ، من جانبه دفع "مشار" منتقداً نهج  التفاوض التي  إعتمد  عليه "الإيقاد" و التي  تمثلت  في تبنيها لورش لمناقشة القضايا ثم عرض مقترحات للاطراف للموافقة عليها ، في طريقة يمكن وصفها ب"فرض الحلول " ، عزز "مشار" تصريحه مُستنداً علي نهج  الايقاد السابق ادبان  المفاوضات التي قادت الي توقيع اتفاق السلام الشامل بين الخرطوم و الحركة الشعبية لتحرير السودان 2005 و تخلصت في النظر الي نقاط الاتفاق و تدوينها إلي جانب التسهيل في ما شابه خلاف . في تقديري أن طبيعة الصراع سياسية مرتبطة بالسلطة بالرغم من التعبئة القبلية من ناحية ثانية و بالنظر الي الأطراف  فالقاسم المشترك بينهم تاريخياً  الانتماء السياسي والعسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان ، الرابط الثاني فقد شغل جميعهم مناصب قيادية سواء علي مستوي قيادة الحركة او تنفيذية كلا الفترتين " الإنتقالية (2005-2011)أو بعد إستقلال جنوب السودان في 2011"، الأمر الذي يجعل تصنيف النزاع   بانه صراع ( تنظيم الحركة الشعبية الحاكم في علاقته بالسلطة )، بالتالي فإن مدخل الحل ياتي بالنظر الي كيفية حل أو تسوية الامر  داخل الحركة الشعبية كمدخل لحل الأزمة السياسية لدولة جنوب السودان التي تتعد فيه الاسباب فمحاولة "الايقاد " في اختزال الازمة وربطها بملف السلطة والثروة و في ظل غياب لاحزاب المعارضة و الشخصيات الوطنية و المجتمع المدني و أصحاب المصلحة  يمثل تجزئة للحلول التي تتطلب أن تتصدر أجندتها الاجابة علي كيف يحكم جنوب السودان ؟ وليس من يحكم جنوب السودان !. بالرغم من النقد الذي يمكن أن يوجه للايقاد من الناحية النظرية  بمحاولة "فرض مقترحات للحول" في تقديري أنها خطوة أعقبت تلمس غياب الإرادة السياسية الوطنية لحل الأزمة، ومهما إجتهد الوسطاء سيظل الحل الشامل رهين إعلاء الأجندة الوطنية  والذي يفترض فيه استصحاب نضالات ، تضحيات ، و صراعات شعوب جنوب من 1955 للوصول الي  حل أو تسوية سياسية تعزز من استقرار مستدام وعيش امن ، فلعل إلتذكير بان  منفستو الحركة الشعبية صيغ لاجل المواطنة و الحقوق المتساوية للجميع قد يلقي بواجب علي الاطراف للنظر بعين الاعتبار للمسئولية التاريخية والوطنية .



* مصدر الصورة محرك البحث قوقل 

الأربعاء، 20 يونيو 2018

السودان : وفرص الوصول للتغير (3-3)


السودان : وفرص الوصول للتغير (3-3)

إنعكاس التغيرات السياسية التي مرت بها مصر  و تونس في الفترة من (2010 الي 2014) في تقديري ما أجبر الإدارة الامريكية  علي التراجع  عن دعم فكرة سيطرة المجموعات الإسلامية علي السلطة في كلا الدولتين، والفوضي التي شهدتها الحالة الليبية و تمدد الجماعات  الاسلامية إليها بعد ان تمكنت من السيطرة علي مساحة واسعة من  العراق وسوريا،   كما شكل عزل الرئيس محمد مرسي خطوة مفاجئة أربكت  حسابات الحركة الاسلامية السودانية بكل فريقيها التي كانت تري في سيطرة (أخوان مصر ) علي السلطة اضافة لتحالف " وادي النيل الاسلامي ".
صعود القوات المسلحة المصرية الي السلطة عبر الرئيس عبدالفتاح السيسي كان بمثابة التحدي الذي رضخت له كما أشرنا الإدارة الامريكية بل عملت علي دعمه لاحقاً، عبر وكلائها بالخرطوم في  إبعاد قادة الحركة الإسلامية  السودانية من المناصب التنفيذية القيادية  و  برز ذلك بوضوح في 2014 بابعاد الاستاذ علي عثمان طه ، الدكتور نفاع علي نافع ، و الدكتور عوض الجاز و أخرين ..، ثم في التشكيل الحكومي الذي أعقب الإنتخابات العمومية لعام 2015 بإبعاد مجموعة اخري منها ولاه بالولايات ، في تقديري أن الهدف عمد  قطع الطريق علي الحركة الاسلامية السودانية في أن تجعل من الخرطوم حاضنة ل(أخوان مصر الفارين ) من الملاحقة القضائية، وعزز من ذلك إعلان المملكة العربية السعودية جماعة الأخوان المسلمين كجماعة إرهابية في خطوة عمقت من الحصار الجغرافي.
قادت هذه التطورات الي بروز حدثين في المشهد السياسي السوداني حيث ترتب الأول علي الأخر كنتيجة و تمثلا في تقارب حزب المؤتمر الشعبي (الذي فارق تحالف المعارضة ) و المجموعة المسيطرة علي السلطة بالحزب الحاكم بقيادة الرئيس عمر البشير ، الأمر الذي مهد للدكتور حسن الترابي الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي و عراب الاسلاميين السودانيين بمقترح الحوار السياسي  الذي عرف شعبيا بحوار الوثبة و الذي قاد الي سيناريو   حكومة الوفاق الوطني ، سياسيا في تقديري ان هدف الخطوة  ماثلت   " مخرج الطواري "  بهدف قطع الطريق علي تراكم  حراك التغيير السوداني علي نسق (الربيع العربي)  وذلك بالالتفاف عليه لتحوير بوصلته من  (اسقاط النظام ) إلي (مشاركة هامشية في السلطة ) مع الابقاء علي جوهرية مفاصل القرار  بيد الحزب الحاكم. ،بالنظر الي الحراك السياسي جاء رد فعل أحزاب المعارضة السياسية الأساسية و المؤثرة  رافضاً للمشاركة بحجة أن مناخ الحريات في الواقع  لايمكن معه إدارة حوار  ما لم يتم الغاء القوانيين المقيدة، وفي تقديري  ان  التركيز علي " شعار اسقاط النظام " كان هو الموقف المناهض لما عمد اليه الحزب الحاكم  من مناورة  لكن رفض المعارضة الذي اقترن بالاشتراط   منح  الخرطوم فرصة للتسويق  السياسي  دولياً و إقليمياً لرغبتها في الإصلاح السياسي.
علي  الجانب الاخر من مسرح الاحداث   كشفت  ما عرف (بقضية الفريق طه ) عن احد سيناريوهات المجتمع الدولي نحو قضية التغيير الذي يمكن تلخيصه في فلسفة ( الاحلال و الابدال) المبنية علي سيطرة  تتطابق و مصالح المجتمع الدولي سياسيا واقتصاديا، فاذا هذا المشهد لابد من الاجابة و البحث عن الخطة (ب) التي لا تزال غائبة عن المشهد في ظل  رفض المملكة العربية السعودية  التي تقف منفذا لسياسات الادارة الامريكية علي وجه التحديد من الدعم الاقتصادي  وهنا تجدر الاشارة الي مغزي خطوة الرئيس السابق باراك اوباما الذي بادر الي تحريك ملف رفع العقوبات قبل وقت قصير من  مغادرته للبيت الابيض ، مما مهد اي رفع العقوبات الاقتصادية لاحقا بالرغم من حزم الشروط التي الزمت بها الخرطوم  والتي منها عدم التدخل في شئون دولة جنوب السودان الامر الذي تطور لاحقا للاعلان اعلاميا عن امكانية لقاء الرئيس سلفاكير و نائبه السابق الدكتور مشار  في الخرطوم  قبل ان يتم الاعلان  لاحقاً عن اديس ابابا  كمقر للقاء الامر الذي يعزز من نهج تعامل مع كل من  (الخرطوم و جوبا)   بما يعزز  سيطرتها السياسية و لا سيما في ظل السباق الدولي  بينها و روسيا .

بالنظر الي واقع المعارضة  في الفترة من (2010 -2014 ) او فترة الربيع العربي   (الحزبي السياسي المعارض و الحركات المسلحة )  لم يظهر ما يشير الي التنسيق بينها اضف الي ذلك عدم وضوح الخط السياسي  حيث غاب الإتفاق علي إسقاط النظام الإ بعد العام 2016 كشعار معلن، وهنا تجدر الإشارة إلي أن بعض الحركات الشبابية مثل (قرفنا) كانت قد سبقت الي ذلك الشعار في العام 2010 قبل إنعقاد الأنتخابات العمومية. ، فقداهدرت العديد من الفرص للتنسيق ابتداء ب ( مؤتمر جوبا 2010  و حتي مبادرة نداء السودان 2014 ) مما شكل غيابا للسؤال الجوهري للتغيير أو التسوية السياسية في كيف يحكم السودان ، و ليس من يحكم سيحكم السودان الامر الذي استثمرته الخرطوم  سياسيا امام المجتمع الدولي باعادة الدفع بسؤال البديل السياسي ؟  الامر الذي عملت الخرطوم علي استغلاله في مقاومة الحل الشامل للازمة السياسية الذي يقابل عمليا (اسقاط النظام ) والتمسك بفكرة تعدد المنابر التفاوضية الذي تمترست خلفه فكرة الابقاء علي المعارضة بشقيها  تحت نفوذ التمثيل الجغرافي بالرغم من وحدة جذور الازمة السياسية.
عدم الانتباه السياسي لما إشرنا اليه عاليه وظفته الخرطوم في قصم التضامن  الشارع السوداني  علي ذات النسق الجغرافي بل مضت اكثر  علي الدفع  بفزاعة الانتقام العنصري و حالة الفوضي لتنجح في  قطع الطريق علي مفهوم التغيير السياسي بغرس نسبي لفلسفة المفاضلة في القاموس السياسي  ساهم في تعميق  ذلك الخطاب المعارض الذي ركز جهده علي نقد نتائج ممارسة السلطة دون الانتباه الي الدفع بالحلول او فتح افاق لمخاطبة مرحلة ما بعد التغيير بشكل تفصيلي ومتماسك علي سبيل المثال طرح وثائق  اصلاحية او رؤي استراتيجية شاملة لعبور التخريب الممنهج الذي طاله السودان منذ 1989، الامر الذي فتح الباب لمبادرات فردية متعددة ومتكررة تمركزت حول شعار إسقاط النظام الامر حتي وصلت من  التكرار  مرحلة التطابق النظري مع غياب ايضاً  لحلول تفصيلية، في تقديري ان ذلك يفسر حالة عدم تفاعل الشارع معها بالرغم من ان الشرط الموضوعي قد تخلق اكثر من مرة  متمثلة في الاحتجاجات 2012 – 2013 – 2016 و 2018  ) كنتاج تراكمي   للازمة الاقتصادية الخانقة التي ظلت الخرطوم تمر بها منذ 2011 . الازمة  عقب إنفصال الجنوب و ذهاب عائدات البترول بالاضافة الي التبديد المستمر لموارد الدولة ( من ارضي، ذهب، بترول ) في تمويل الصراعات المسلحة، الي جانب  الفساد المرتبط بالتمكين و  سؤء التخيطيط السياسي لادارة الاقتصاد و التي  خلقت وضعا إقتصاديا معقدا يعصب الخروج منه قريبا  كما [1]اشار  وزير المالية محمد عثمان الركابي امام البرلمان السوداني في يونيو 2018  و هنا تجدر الاشارة الي طرح سؤال هل يمكن لدولة ان تعتمد علي القروض او الصفقات القتالية كمورد اقتصادي للتسيير ؟ بالطبع الإجابة لا ! ، وهنا يدفعنا الامر الي قراءة مشهد التغيير علي تلك الفرضية و اول ما يتصدر الممسرح  هو  سيطرة الاسلاميين السودانيين المناؤيين للبشير علي مفاصل الاقتصاد بشكل منظم يستند علي فلسفة رأسمالية تتطابق واجندة النظام الرأسمالي العالمي، بل لا زالوا يمتلكون زمام اللعبة السياسية  قد يجعل من صعودهم الي السلطة يتم باشكال غير مباشرة علي طريقة " الخديعة " فعلي الرغم من القمع الذي مارسته مجموعة الرئيس البشير الذي قابلته المجموعة الاخري  بتكتيك  سياسي  افشل عليه  الانقضاض السريع عليهم أو اقترابه من الحلف الاسلامي الاقليمي الرأسمالي للحصول علي دعم اقتصادي اقليمي او دولي .
 الاعتقالات التي طالت الصف الثاني من الوسطاء  أو وكلاء " القطط السمان " مؤشر الي ان الاقتصاد السوداني يقع ضمن قمة اجندة التغيير عبر التفكير الجاد في طرح حلول عملية في كيفية تجاوز هذا المنعطف ، في تقديري ان الثروات المهملة من الاستغلال يمكن ان تشكل عماد التفكير في كيفية استغلالها لما يحرر الاقتصاد من قبضة الراسمالية ، التي بالنظر الي خارطة  تمرر  نفوذها علي الموارد الجديدة  مع الاخذ في الاعتبار ان السودان ذاخر بموارد تحتاج الي جهود  علمية في التعامل معها علي سبيل المثال الصمغ العربي رغم المضاربة فيه اعادة التفكير فيه بشكل جدي ، مثال اخر النقل النهري و التبادل التجاري الحدودي فعلي سبيل المثال فقد بلغت حجم خسارة  السودان  [2] 7 ملياردولار امريكي -في الفترة من 2011 الي 2016 بعد قرار اغلاق الحدود مع جنوب السودان علي ذات النسق يمكن النظر الي  حصيلة العائدات من التجارة مع مصر ، أريتريا، تشاد و افريقيا الوسطي علي سبيل المثال لا الحصر ، بالإضافة الى اعادة التفكير في احداث التوازن بدعم القطاعين الرعوي والزراعي  باعتباره فرصة ايجابية للخصوصية التى يتمتع بها السودان  في كليهما، بل بوسع حركة الطيران المدني عبر  المطارات الدولية السودانية، أن تطابقت و المواصفات الدولية، ان تصبح مورداً قومياً اعتماداً علي الموقع المميز للسودان، إنشغال  المعارضة بمسالة  ترشيح الرئيس البشير  لانتخابات 2020 يؤخر تخلق لحظة التغيير  بوضعها في اطار سقفه الأقرب 2020 في ذات الوقت، و يزيل الكثير من العناء من علي عاتق المجموعة المناوئة من الاسلاميين التي تستغله في اتظيم صفوفها مع الاخذ في الاعتبار بانها اكثر المجموعات تنظيماً وموارد  ،في ظل واقع فشل الشارع السوداني  في رؤية  ضوء يشير الي اخر النفق مما  انعكس في الاستسلام لواقع صفوف الوقود بل تعامل معه كأمر واقع ما يفسر غياب المقاومة بالركون الي انشطة  لكسر الملل من الانتظار .
ايضا ًغابت جهود المعارضة من استثمار الضغط الدولي الذي واجهته الخرطوم اذاء تعاملها مع الاحتجاجات السلمية  فعلي سبيل المثال فقد اشار تقرير الخبير المستقل لحقوق الانسان في 2014  (مشهد بدرين) بان تعامل الخرطوم تجاه محاسبة مرتكبي احداث احداث سبتمبر 2013 (ليس بالمقبول قانونيا او اخلاقيا ) ، قاد ذلك التراخي الي استغلال الخرطوم  استراتيجي من قبل الخرطوم ليبدا في مخاطبة اجندة المجتمع الدولي وفقا لقائمة المصالح ابتداء من  تسهيل الحصول علي معلومات عن الجماعات المتطرفة في يناير 2016 أشار تقرير للمركز الليبي لدراسات الأرهاب بان عدد السودانين المتحقين بداعش بلغ 455 شخص [3]، كما  نجحت في الترويج  للخرطوم كدولة معبر للهجرة غير الشرعية تمكنت معه من الاقتراب من الاتحاد الاروبي ، اقليميا استطاعت الخرطوم  تكوين  تحالف افريقي  منظم في مواجهة العدالة الدولية بينما تباعدت جهود المعارضة من  تفكيك الخطاب و  الخطوات التكتيكية امام المجتمع الدولي ، حالة تباعد تحالفات المعارضة ورؤاها  مع عوامل سياسية اخري دفعت بمسالة تقرير المصير الي صلب المسرح السياسي  مرة اخري الامر الذي عبر عن واقع جديد في حوجة بالغة للتعامل معه بما يستحق سياسياً وقانونياً  في سياق  الاجابة علي كيف يحكم السودان ؟ فتقرير المصير نظريا  يجد سنده في المواثيق التي تحمي حقوق الشعوب الاصيلة و مواثيق اخري ، كما يظل تحققه عملياً رهين توفر شروط موضوعية سياسية و قانونية ، وتجدر الإشارة إلي أنه من الخطأ المطابقة بين ممارسة ذلك الحق و مفهوم الانفصال لانه الاخير " قد يكون نتاج ممكن أو لا ".
اخيراً زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الي المملكة العربية السعودية 2017  تلتها تطورات سياسية  في المشهد السوداني  كشفت عن احدي سيناريوهات  المجتمع الدولي   تجاه  السودان في الدفع الي سده الحكم من يحقق مصالحها  بترجيح  فرض من يمسك بزمام الملفات السياسية والامنية ،  دون الالتفات الي ما يعنيه التغيير للشارع السوداني  وهنا مربط الفرس الذي يجعل من الوصول الي التغيير المطابق لمفهوم الثورة يعبر عبر وحدة المعارضة و التفاف جهودها حول  كيف يحكم السودان ؟ و توثيق علاقتها بالشارع السوداني الذي ينتظر رؤي تفصيلية لوثائق ما بعد التغيير مع الاعتبار الي ان التجربة التونسية علي وجه الخصوص اثبتت ان ارادة الشعوب ( الاجندة الوطنية ) لا يمكن للمجتمع الدولي ( تطويعها لمصلحته) ، الوعي بان البديل هو  ارادة التغيير الشامل تمثل اجابة شاملة  تساهم في  تسريع تخلق اللحظة التاريخية التي تمضي تراكم شروطها الذاتية والموضوعية نحو حدث يجب توجيه بوصلته نحو تغيير او تسوية سياسية تستند علي فلسفة " الحل الشامل " ، فالراهن لن يكون أفضل من القادم فالشعب السوداني الملهم ( سيظل معلماً ) إن تمعنا نقاط قوته تاريخيا فهنالك فرق كبير لانعكاس الصورة في المراة بين ( الحكومات التي مرت منذ الاستقلال و إرادة الشعب ).




[1] - وزير المالية ينعى الإقتصاد السوداني ويؤكد إستمرار الازمة ، صحيفة التغيير الالكترونية – 8 يونيو 2018
[2] - بعد قرار البشير بفتح الحدود بين الدولتين.. السودان وجنوب السودان هل ينجح الاقتصاد فيما فشلت فيه السياسة؟، صحيفة السوداني السودانية ، تحقيقات وتقارير ، لينا يعقوب ، 28 يناير 2016 .
[3] - السودانيون يحتلون المركز (الثالث) بين مقاتلي تنظيم "داعش" ليبيا – راديو دبنقا ، يناير ٩ – ٢٠١٦.
الصورة لوزير المالية السوداني محمد عثمان الركابي - مصدرها محرك البحث قوقل 

الخميس، 14 يونيو 2018

تهنئة بعيد الفطر







بمناسبة عيد الفطر تتقدم مدونة تماس بخالص التهاني و أطيب الأمنيات لقارئها الموقرين وقارئاتها الموقرات . 





.

الأربعاء، 6 يونيو 2018

السودان : وفرص التغييرالسياسي (2-3)

السودان : وفرص التغيير (2-3)
الأجندة الوطنية و النفوذ الإقليمي و الدولي
في الجزء الثاني من المقال سأعكف علي تناول لدور المجتمعين الإقليمي و الدولي و منهجية التعامل مع حالات التغيير أو التسويات السياسية وفقاً لانماط الممارسات التي ارتبطت بالادوار التي شهدها مسرح الاحداث و لا سيما بعد ما عرف إعلامياً بالربيع العربي، لكن قبل ذلك تجدر الاشارة الي إن مهمة التغيير الأساسية تقع علي عاتق القوي الناشدة للتغير و قدرتها في إدارة علاقتها مع المحيطين الإقليمي و العالمي وفقا للمصالح وعلي ذات النسق رفض ما يتعارض و الأجندة الوطنية المرتبطة بالحفاظ علي السيادة ، مع الوعي بان المداخل لهذه الادوار قد تاتي عبر نوافذ مؤسسات ذات تاثير واسع في رسم السياسات الدولية وفقاً وما يتسق بأهداف مجموعات الضغط الدولية ( التحالفات الراحجة )
بالنظر الي واقع  دول شمال افريقيا و الشرق الاوسط ابان الربيع العربي  فقد شهدت الاجندة الدولية المرتبطة بالمصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي تحولات  و اسعةباستخدام عالي الصدي إعلامياً  لما عرف بمكافحة الارهاب العالمي الامر الذي قاد الي اعادة رسم لخارطة التحالفات وهو ما تدلل عليه  الحالة المصرية و علي وجه الدقة العام 2014  وقفت الإدارة الامريكية ضد عزل الرئيس السابق محمد مرسي وصعود القوات المسلحة المصرية الي دفة السلطة تحت قيادة الرئيس المشير عبدالفتاح السيسي ، في تقديري أن موقف الإدارة الامريكية انذاك الذي لم يكن غرضه القبول بنتيجة التداول السلمي للسلطة الذي أوصل ( مرسي ) الي السلطة عبر صناديق الاقتراع لكن  الهدف إرتبط بفلسفة الادارة الامريكية التي تنظر الي وصول الاخوان المسلمين اليالسلطة أمر إيجابي بالنسبة لهم علي المستوي الامني لانه يقلل من خطر تواجدهم في المعارضة بل قد يتطور الامر الي السيطرة عليهم عبر عدة طرق قد تمتد من المساعدات الي التعاون و استراتجيات الضغط .
 انتباه قوي مصرية ضمنها الجيش  للتكتيكات الامريكية قاد  للتعامل معها برفض استمرار سيطرة الاخوان علي السلطة في خطوة اكتنفها (القبول والرفض) انذاك ، قادت الي الثمن الباهض الذي دفعته مصر مقابل ذلك و الذي تمثل في دعم الولايات المتحدة الامريكية للمملكة العربية السعودية لتلعب الدور الاقليمي المتقدم الذي كانت تحظي به مصر في السابق في كونها كانت الفاعل الاساسي في الملف (الفلسطيني الاسرائيلي ) بالاضافة الي حظيانها بنفوذ اقليمي مميز علي مستوي الكتلة العربية في المحافل  المرتبطة بحقوق الانسانسواء علي المستوي الاقليمي و الدولي ، كما لا  يجب أن نغفل الفترة القصيرة التي قضاها (مرسي) في السلطة ساعدت علي ذلك التراجع باشكال مختلفة  منها اهمال الملف الافريقي .
في سياق متصل  بما سبق و بالنظر الي الدور الدولي في الحالة اليمنية فقد تبنت الادارة الامريكية  سياسة التدخل  غير المباشر و ذلك لاسباب ارتبطت باحتجاجات الشارع الامريكي علي النتائج التي خرجت بها امريكا من الحرب في العراق  افغانستان حيث فقدت العديد من الجنود بالاضافة الي التكلفة المالية الباهظة ، الامر الذي قاد الي ظهور التحالف العربي في 2015 الذي اوكل اليه مهمة مباشرة  ادارة الصراع في اليمن  و تحت غطاء مكافحة الارهاب الدولي سارع بعض اعضاء التحالف الي التمدد الاقليمي حيثاستاجرت الامارات العربية المتحدة ميناء بربرا بارض الصومال و ميناء مصوع الاريتري الي جانب مدرج لهبوط الطائرات بطول ثلاثة كيلو مترات ، اضف الي لك امتدت التحولات لعزل كل من السودان الصومال من حلف ايران لتصبح الولايات المتحدة الامريكية تسيطر علي اكبر عدد نفوذ في الشمال الافريقي و الشرق الاوسط باستثناء ايران ، و ايضاً جيبوتي التي احكمت فرنسا سيطرتها التاريخية عليها
نجد الحالة  السورية شكلت (الكعكة) التي يتصارع حولها كل الولايات المتحدة الامريكية و روسيا يحركه الغاز  كاحد الموارد بالمنطقة الي  جانب استخدامه  كغطاء لصراع اخر خفي (إيراني ،  إسرائيلي ، تركي  فلسطيني)  اتخذت من قضية التغيير السورية مظلة لادارات الصراعات في ظل اعلام ظل يروج للتدخلات و يصف الحال بالنفوذ المرتبط بتنظيمات الارهاب و تحاول التسويق لغاية التدخل بالقضاء علي ذلك ، فان صح الامر كم من السنون مضت و لا زال الامر يراوح مكانه مما جعل فكرة التغيير او التسوية السياسية التي نشدها السوريون تسقط اوراقها و تبتعد ملامحها او نسختها المرجوه من قاموس التقرير السياسي ليصبح حلم اللجوء او الاستقرار النسبي افضل الخيارات المتاحة ، هل كان ذلك ليحدث لولا اغفال السوريون للتعامل مع الدور الاقليمي والدولي منذ البدء بحصافة .
الحالة الليبية نموذج اخر  من نماذج التدخل الدولي حيث برزت اكثر وضوحا في جعلها مسرحا للتصرف في الموارد ، فالمجتمع الدولي في حالة صمت عن كيفية و لمصلحة من يتم(بيع او مقايضة )  في النفط في عرض البحر ، بل حتي المقابل الذي يتمثل في بعض الاحيان في (السيارات المستعملة) التي تعبر الحدود الي اسواق بالدول المجاورة السودان احدها بالطبع لا احد يسال لمصلحة من يتم ذلك و كيف تتم التحويلات المالية في ظل الرقابة الدولية علي التعاملات المالية التي قلت فيها ضوابط السرية تحت ذريعة مكافحة الارهاب ايضا .
كما اشرت في بداية المقال الي صراع المصالح والنفوذ هما المحركان الاساسيات للتدخل الدولي والاقليمي و الذي يعني بالضرورة وعي قوي التغيير بانه ليس هنالك مساندة مجانية فحتي  القيم المرتبطة بحقوق الانسان و الاحترام الذي ظلت تحظي به قد دلفت الي الحلبة فما ان اتسع نطاق الهجرات غير الشرعية نحو أروبا فاضلالاتحاد الاروبي بين احترام ثقافة حقوق الانسان و بين منع المهاجرين الي الوصول الي اراضيها ، تحت ظل استخدام فزاعة صعود اليمين المتطرف الي السلطة فبادرت الي استخدام قوات الدعم السريع لحمايتها عبر الانتشار بين الحدود السودانية الليبية في تسرع غير استراتيجي فالفزاعة فناقوس الخطر الحقيقي قد يكون منبعه ذات القوات المرتبطة بسجل مثقل بالانتهاكات حينما تتحول الي (مسهل) للهجرة غير الشرعية ، فإذا كانت مشاركتها في حرب اليمن مقابل المال  فعلي ذات التنسق يمكن الحصول عليه طرق اخري تقل فيها الخطورة لانها القوة المسيطرة علي الحدود
من المهم جدا إنتباه قوي التغيير لأستقلالية قراراتها فبالاضافة الي الشواهد التي اشرنا اليها عاليه يجدر بنا ان نلقي الضوء علي النماذج التي تمكنت من الافلات من قبضة الدوران في فلك التبعية الراسمالية  مثل تونس التي تمكنت عبر الاردة الوطنية ان تقطع الطريق مثلما فعلت مصر علي تمكين الاخوان المسلمين  بل ذهبت بعيدا لصياغة اجندة وطنية تعزز من مصالحها و استقلال قرارها ، الحالة الايرانية ادركت ان سلاح النفط يمثل الكرت الربح لها فاستطاعت من خلاله الوقوف في وجه الضغوط الامريكية وجعلها تراوح مكانها فهي تدرك بان استسلامها سيجعلها امتداد للدول النفطية التي اقل ما يمكن وصفها ب ( رقع جغرافية لاحتياطي النفط العالمي) مثل العراق و ليبيا .
من الناحية العملية يجدر  الانتباه الي ان فلسفة سياسة المفاضلة هي المنظار الذي تنظر به الدول الغربية الي قضايا التغيير والتسوية بمعني ان الابقاء علي الحكومات التي تخضع للتحالفات وفق شروطها الراسمالية  دوما افضل من التغيير الذي قد يقود الي تغير شامل يرفع من الاجندة الوطنية التي تقف مع مصالح الشعوب ، و يمكن تفكيك ذلك في مظاهر الحلول الجزئية التي تفرضها لحل الازمات عبر تعدد المنابر التفاوضية رغم تطابق جذور الازمات كحالة السودان نموذجاً
ظل سؤال البديل يمثل احدي فزاعات الوصايا التي يدفع بها لحماية الحكومات التي تري الدول الغربية ان وجدودها احجي لمصالحها في تقديري انه سؤال يرتبط بذهنية استعمارية فالتغيير يخلق قادته و لا وصاية علي الشعوب تجب ان تنال رضا احد لان ذلك هو مدخل للسيطرة السياسية ، لابد من الاشارة الي ان تراجع الازمة السودانية من قائمة الاجندة الاقليمية و العالمية مؤقت لارتفاع الصراع في سوريا و انشغال العالم به ، لكن مع ذلك هناك دوما عينا دولية مفتوحة علي السودان تجري ( اختبارات ) بين الحين والاخر لقياس مدي الخضوع و يمكننا التدليل علي ذلك ب شرط الولايات المتحدة بقطع العلاقات مع كوريا الشمالية  الذي جاء في  سياق شروط رفع العقوبات الاقتصادية .
تتعدد السيناريوهات المتمثلة في العقوبات غير المجدية او تلك التي تتخطي استهداف الفاعليين الاساسيين في الازمات لتتمد لتكسير بنية الدولة ، اوإحداث حالة الافقار و الاثقال بالقروض مع ايقافها في توقيت محدد من اجل الضغط للاستجابة للدوران في فلك فلسفة الراسمالية التي تمتد لتلف حبل التبعية ، أخيراً هو فرض اطر نظرية من قبل من يطلق عليهم بالخبراء الاجانب الذين قد يمتلكون معارف نظرية اكاديمية لكنها بعيدة عن تعقيدات الواقع و قد ظهر ذلك جليا في الواقع السوداني علي وجه الخصوص ففي اتفاق السلام الشامل 2005 الذي نص علي تقرير المصير كحق مشروع لكنه اغفل ما بعد ذلك ، كان الاجدر ان تلحق بالاتفاق حول كيفية التحولات التي تخلق الاستقرار سواء نظرنا اليها من ناحية حزم العدالة الانتقالية او النصوص الاحتياطية التي تضمن مشاركة فاعلة لكل الاطراف بعيدا عن الثنائية ، تعدد ادوار الخبراء الاجانب الذين يقفون خلف كواليس الاتفاقات فهنالك اتفاقي ابوجا 2006 ووثيقة الدوحة اللتان اغفلتا مسائل جوهرية من غياب نصوص المحاسبة و فلسفة العدالة  العدالة و جبر الضرر و الحل الشامل للازمة ، ليمضي الحال و تبقي الازمة في تراكمها السلبي و قد انفض سامر الخبراء الذين غالبا ما يكونون في انشغال  لكتابة مذكراتهم او اضافة مشاركاتهم لسيرهم الذاتية بمراكز البحوث المرتبطة ببناء السلام وفض النزاعات بالمراكز و الجامعات العالمية . .



مصدر الصورة محرك البحث قوقل

الأحد، 3 يونيو 2018

هل هذا داعية أم مُدَّعي؟! .. بقلم: البراق النذير الوراق - نشر المقال بصحيفة سودانايل الاكترونية 3 يونيو2018





شد ما انتابتني حالة من الحزن الشديد وأنا أقرأ أن بياناً للناس صادر من داعية إسلامي يرفض فيه إتجاه الحكومة للتوقيع على اتفاقية (سيداو) والخاصة بمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وذلك لأن الدعاة الحقيقيون عندما يخوضون في أمر الدين في بلد مثل السودان، نجد أن العامة يسمعون لهم دون غيرهم، فكان حزني من أن يتحدث هذا الداعية حديثاً يؤثر في موقف الحكومة الإيجابي من إتفاقية (سيداو).
ولكن تهللت أساريري وأنا أقرأ الأسباب التي ساقها هذا "الداعية" المسمى محمد علي الجزولي حول الموضوع، وذلك لعلمي وإدراكي التام بعدم مطابقة أي من الأسباب المُساقة، لحقيقة المواد الموجودة في الإتفاقية، وكأنما كان يقرأ صاحبنا هذا من إتفاقية غير التي نعرف وغير التي هي مبذولة على صفحات الانترنت!! على أنني وعندما مضيت في قراءة البيان، دخلت في حالة بين الحزن والفرح، الحزن لأن حالة بعض الدعاة الإسلاميين في بلادي أصبحت كمثل حال صاحبنا، والفرح لأن مثل هذا "الداعية" أو المُدَّعي في حقيقة أمره، مفارق في المعرفة للدعاة العارفين، العلماء الخاشعين، الذين يخشون الله ويسبحونه في الغدو والآصال، وبالتالي فهو لن يضر الدين الإسلامي بشيئ كما لم ينفعه!

أولاً نأتي لبيان خطل ما ذهب إليه محمد علي الجزولي، وأسمحوا لي أن أناديه كذلك دون ألقاب لأنه لا يستحقها، وسآتي لاحقاً لتبيان أسبابي في قول أنه لا يستحق هذه الألقاب.
بدأ البيان بخطاب عاطفي ساذج ولكنه ممعن في السطحية، حيث قال ( في شهر رمضان والأمة صائمة عن الحرام...الخ) أي حرام صامت عنه الأمة يا هداك الله؟! هل هذا القول ينطبق على حقيقة الصيام ومبتغاه وأهدافه؟! هل هذا القول موافق للتعاليم الدينية نفسها ولمبدأ التدُّين؟! الأمة صائمة يا هداك الله عن كثير من الحلال، فكيف صيّرت الطعام والشراب والعلاقة بين الزوج والزوجة حراماً؟! هذه أبجديات يدرسها طلاب المدارس الابتدائية وقد قال بعض العلماء الصوم هو عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوصة، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص، بنية مخصوصة. ولم نسمع بأن الصوم هو عن الحرام! أفإن كان صوم الأمة عن الحرام في رمضان فكيف يكون حال الفطر؟! إنني أكاد أن أرسم وجوهاً ضاحكة هزواً من هذا التعبير الفطير الأجوف.
الأمر الثاني وهو المتعلق بما سماها الجزولي مخالفات سيداو للشريعة، فقد قال إن المخالفة الأولى متعلقة بالمادة الثانية التي تنص حسب قوله على: إنه يجب على الدول الموقعة إبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها ، حتى تلك التي تقوم على أساس ديني فجعلت الحاكمية لنصوص الاتفاقية على قوانين الشريعة الإسلامية وأوجبت على الدولة الموقعة تبديل قوانينها وإن كانت مستمدة من دينها لتتوافق مع بنود الاتفاقية.
في حقيقة الأمر أن هذه المادة لم تذكر فيها كلمة دين على الإطلاق، بل إن الاتفاقية نفسها لم تورد كلمة الدين مطلقاً! وإن كان صاحبنا يريد أن يلوي عنق اللغة ويقنعنا أن الكلمات التي يمكن أن تشبه له كلمة (الدين) مثل الأعراف، أو الممارسات أو حتى كلمة تشريعات، فسيكون هذا شأن آخر، شأن سيورطه مع الأعراف والتشريعات والممارسات التي يعتبرها هو نفسه كفر بواح! فكيف يستقيم أن يعرِّف الدين من ناحية وكأنه موافق لأعراف أو تشريعات أو ممارسات، وفي نفس الوقت يرفض أعرافاً وتشريعات وممارسات أخرى وأيضاً بدواعي وإدعاءات يقول هو نفسه أنها دينية؟! لا اعتقد أن صاحبنا يريد الخوض في مثل هذا ولا اعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى كثير تفسير أو اسهاب أو توضيح فاللبس فيه واضح وضوح الشمس، فإن كان هذا الالتباس مقصوداً فقد بيَّنا خطله، وإن كان غير مقصود فيمكننا تجاوزه.
ويقول صاحبنا كذلك إن المادة الثالثة من الاتفاقية تدعو لرفض تفريق الشريعة بين دور الرجل والمرأة بالعدل وإعطاء كلٍ منهما حقه، والمطالبة بالمساواة المطلقة، والمطالبة برفض أحكام الشريعة في الزواج كإعطاء المرأة مهراً، وجعل الطلاق بيد الرجل، ووضع عدة للمرأة، وتقسيم الميراث. وإليكم نص المادة الثالثة حتى يقارنها كل ذي عقل مع ما قال صاحبنا. المادة 3: تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولا سيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كل التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين. وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل .أي هرج ومرج فعله هذا الرجل مع نص المادة، وأين قالت هذه المادة بعدم إعطاء المرأة مهراً أو تحدثت عن العدة، بل أين جاءت كلمة( المساواة المطلقة) التي قال بها في محاولة لاستفزاز مشاعر الناس الدينية؟! إن الحديث عن الدين يحتاج معرفة حقيقية بجوهر الدين لا محفوظات يلقيها الحافظ على أسماع الناس ويفسر فيها بما يشاء! إن إحدى أساسيات الدين وجواهره هي الحكم بالعدل(وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الآية. وهذا الرجل لم يعدل لا في تخريجه ونقله لهذا النص ولا حتى في تفسيره لمعنى دور المرأة والرجل في المجتمع! إن المادة تقول بكفالة تطور وتقدم المرأة وتنادي بتمتعها بالحقوق والحريات الأساسية على أساس المساواة مع الرجل. هل يفهم صاحبنا ما هي الحقوق والحريات الأساسية؟ لا أظن ذلك.
ويقول الجزولي إن المادة السادسة من الاتفاقية تبين عدم معارضة عمل النساء في الدعارة لحساب أنفسهن! بشرط عدم استغلالهن من الآخرين !!
وليقرأ من يريد نص المادة 6: (تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة(. تالله إنني أتمنى أن أدخل في عقل هذا "الباحث الهمام" لأعرف كيف قرأ هذا النص وكيف حشره حشراً في ظنونه الذاهبة لعدم معارضة عمل النساء في (الدعارة)، بل إن ظنونه حدثته أن هذه المادة تدخلت حتى في تقسيم الريع الجسدي والمالي العائد من الدعارة، بحيث يذهب كله لها ولا يتم استغلالها من قبل الآخرين لا جنسياً ولا مادياً!
ويقول الجزولي إن المادة العاشرة من الاتفاقية تدعو لنشر الثقافة الجنسية بين الأطفال بحجة حقهم في المعرفة !!.
الآن تأكد لي أن هذا الرجل يقرأ نصاً آخراً غير النص الموجود بالأمم المتحدة، ومع إيماني بأن نشر الثقافة الجنسية يمكن أن يتم بمنهج علمي واعي، فإنني لابد أن أفضح الفهم القاصر لهذا الرجل، فالنص العاشر الذي افترى عليه يحدثنا عن المساواة في التوجيه الوظيفي والمهني، وهذه سبق فيها السودان عدداً كبيراً من الدول بعقود، كما تتحدث عن التساوي في المناهج الدراسية والامتحانات والمواد الدراسية، وتشجيع التعليم المختلط والتساوي في فرص الإعانات والمنح الدراسية، وخفض معدل ترك الطالبات للدراسة.. وهذا يأخذ الحيز الأكبر من المادة، فإن كان صاحبنا يقصد الفقرة (ح) من هذه المادة، فهي تقول نصاً: (10/ح/ إمكانية الحصول على معلومات تربوية محددة تساعد على كفالة صحة الأسر ورفاهها، بما في ذلك المعلومات والإرشادات التي تتناول تنظيم الأسرة.)، والحال كذلك، فما العيب في أن تحصل النساء على معلومات في تنظيم الأسرة والإرشادات التي تعين على كفالة صحة الأسرة ورفاهها؟ أي عقل يفكر داخل رأس هذا الرجل، وأي ملاك يحرس أفكاره العظيمة؟!
ويقول الجزولي إن المادة الثانية عشر تدعو للانحلال وشرعنة العلاقات الجنسية المحرمة من خلال التعهد بتقديم الخدمات الصحية للنساء من توليد وإجهاض دون اعتبار لكونها متزوجة أو غير متزوجة !!
وساكتفي هنا بإيراد المادة حتى لا أرهق القارئ ب(طشيش) الكلام:
المادة 12
1. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية من أجل أن تضمن لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.
2. بالرغم من أحكام الفقرة 1 من هذه المادة تكفل الدول الأطراف للمرأة خدمات مناسبة فيما يتعلق بالحمل والولادة وفترة ما بعد الولادة، موفرة لها خدمات مجانية عند الاقتضاء، وكذلك تغذية كافية أثناء الحمل والرضاعة.
ساكتفي بهذا القدر من الاقتباسات لكي لا أطيل على القارئ، وكي لا أروِّج لكلمات لا تستحق حتى مجرد ذكرها وردت في البيان الذي أصدره هذا الجزولي، ولكنني في خاتمة هذا المقال، سأحاول أن أفي بالوعد الذي قطعته على نفسي في مقدمته، والخاص بقولي إنني لا أرغب في إيراد أي ألقاب للجزولي كونه لا يستحق لا لقب داعية، ولا لقب دكتور، أما الاسم فهو سالم..!! فالرجل في خضم فورته وفورانه وغضبته المُضرية، أتى بجريمة منكرة في حق اللغة والقرآن والتفسير، فقد قال(لم تستفد الانقاذ من تجاربها السابقة في تقديم التنازلات خاضعة ذليلة لابتزاز الوعود السراب فلم تتعظ ببقيعة المفاصلة وابعاد القيادة التاريخية للحركة الإسلامية ولم تتعظ من بقيعة نيفاشا والتوقيع عليها ولم تتعظ من بقيعة قبول القوات الهجين ولم تتعظ من بقيعة التقرب والتزلف والتبعية لمحور أبوظبي الرياض ولم تتعظ من بقيعة رفع العقوبات الأمريكية كل تلك المحطات حسبها ظمآن الانقاذ ماءا فلم يجدها شيئا !!) انتهى الاقتباس الذي حملته كما هو نسخاً ولصقاً. في أول الأمر سألت نفسي، ماذا عنى الجزولي بكلمة(ببقيعة)، وعندما مضيت في القراءة جفلت للحظة من فهمه للكلمة لأنه كررها مع إضافة حرف الجر من- مع أن الباء حرف جر-، ثم ذهبت في القراءة فتكرر حرف الجر من، وختم عبارته باقتباس من الآية القرآنية الكريمة: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ففهمت حينها أن كلمة(بقيعة) يعني بها صاحبنا كلمة(قيعة) ولكن لأن الجهل في بعض الأحيان يستبد بالناس ويجعلهم يشعرون أنهم يعلمون، ولأن من لا يعرف لا يعلم أنه لا يعرف، ولأن من يغرف يظن أن غرفه كله يصادف الحقائق، فقد وقع الجزولي في الشراك التي يريد أن ينصبها للناس!! شراك الجهل بالدين والإسلام والقرآن والتفسير، واللغة العربية التي هي أساس المعرفة الدينية. إن كان الجزولي لم يقرأ أفلم يتابع ويلازم من قرأوا؟!! لقد أتى صاحبنا شيئاً إدّا!! يقول العلامة بن كثير في تفسير الآية/المثل مروراً بكلمة(قيعة): (فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات، وليسوا في نفس الأمر على شيء، فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام. والقيعة: جمع قاع، كجار وجيرة. والقاع أيضا: واحد القيعان، كما يقال: جار وجيران. وهي: الأرض المستوية المتسعة المنبسطة، وفيه يكون السراب، وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار. وأما الآل فإنما يكون أول النهار ، يرى كأنه ماء بين السماء والأرض ، فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء ، حسبه ماء فقصده ليشرب منه ، فلما انتهى إليه ( لم يجده شيئا ) ، فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا ، فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ، ونوقش على أفعاله ، لم يجد له شيئا بالكلية قد قبل ، إما لعدم الإخلاص ، وإما لعدم سلوك الشرع) انتهى الاقتباس من تفسير بن كثير.
على أن تفسير بن كثير يوافي بغير قليل حال صاحبنا الذي حسب أنه أصاب ماء، وظن أنه قبض قبضة ثمينة، فوجد الريح تجري من بين يديه، أفلا يستحق لقب المُدَّعي؟!

baragnz@gmail.com








عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...