الخميس، 8 سبتمبر 2016

سوق المواسير .... عملية تجفيف إقتصادية ممنهجة (2-----2)


بعد  الفشل الذي لازم تسديد التزامات المتعاملين في سوق المواسير ، خرج مواطنو  مدينة الفاشر- إقليم شمال دارفور في تظاهرة إحتجاجية تحدد مسارها نحو مقر سكن حاكم الإقليم ،عثمان محمد يوسف كبر،  يطلق سكان مدينة الفاشر(مقر إقامته) في سخرية مغلوب علي أمرها (بالعيادة المحولة) .
 ذلك لأن الأعمال المرتبطة بالدولة يفضل الحاكم أن يؤديها من هنالك بدلاً من مكتبه ، للأمانة الرجل حتي لو (اختلفنا معه )  مشهود له بذكاء يتسق وفلسفة (برنامج المشروع الحضاري) فقد  قصد من تسير أمور الإقليم من (مقر سكنه) السيطرة  المحكمة علي أعضاء حكومته  ( دستورين و عضوية الحزب) بوضعهم علي مسافة متساوية  ، لينجح في أن يصبح هو المحور الذي يدورون حوله و يبذلون قصاري جهدهم لنيل رضائه ، فيستوي في غرفة الإستقبال  حاملي الملفات من (الوزراء – و قيادات الحزب – وناقلي الأخبار )  هدف اَخر يطل من تحت السطور هو تنميطهم بالدونية حين يجبرون جميعاَ علي دلق ماء وجوههم بعبارات الثناء والطاعة له في مشهد مفتوح  ، ليصبح الجميع (شركاء) في التمثيل و التملق  و (شركاء ) في مقاعد (الدرجة الشعبية) فالأسرار مفضوحة ، و التعنيف لا يمكن مقابلته سوي ب ( أعفي لي يا سعادة الوالي)   .
واجهت السلطات إحتجاجات  ضحايا سوق المواسير السلمية ،  بالعنف المفرط حيث تم توجيه الرصاص الحي الي صدور المحتجين سلمياَ في وحشية ، فسقط أربعة مدنيين  و جرح نحو خمسين اَخرين ، جميعهم سقطوا قبل الوصول الي وجهتهم نحو(  العيادة المحولة) حيث كان حسنهم  أن يجيب الحاكم علي سؤال من صلب مسئولياته ما هو مصير أموالهم ؟   لتتفتق الذاكرة الشعبية الساخرة المثقلة بالحزن  و غلبة الحال الي تسمية  مقر إقامته هذه المرة ب(باب العزيزية) .
إنتقلت الخطة الي الجانب القانوي، حيث تدخلت وزارة العدل بتكوين لجان قانونية ، للأشراف علي تدوين البلاغات من المتضررين ،و التي بلغت جملتها 34000 ، برع المستشارين في تكييف التعامل الذي شاب سوق المواسير بأنه  (أثراء بلا سبب)  و يلزم القانون بالمتعاملين (بالتحلل) ، وهو أعادة المال محل التعامل الي قيمته الحقيقية أو (قيمة رأس المال الأول  ) ،  و أسقاط الفوائد التي نتجت من دورات التعامل داخل السوق ، لم يتم الأمر بسلاسة بل أصبحت سلطة القانون تهدد بإجراءات لاحقة للذين لم يستجيبوا للتوجيهات لينتهي الجميع الي الخضوع (إحتكام الضحايا الي عدالة الجلاد )
خوفاً من تجدد الأحتجاجات ، مضت خطة فيما يمكن وصفه ببيع الوعود للمتضررين وشراء الوقت، لتهدئة الأمر و حمل المتضررين علي تصديق أن ما حدث لهم يجب أن يخزن في (ذاكرة النسيان) .
  تم إختبار نجاح خطة التهدئة  بصرف الإستحقاقات للذين لم تتجاوز أصول أموالهم ال1000 جنيه سوداني ،  وهو مبلغ يوازي 100.2 دولار أمريكي (بالسعر الجاري في السوق الموزاية ، لتظل الفئات المتبقية من المتضررين يدغدغها الأمل في أن يحين دورها ، لتمر الأيام ، الشهور ، الأعوام و تظل أحداث جديدة أكثر قسوة جعلتهم يدورون في فلكها بعيداً عن التفكير في أموالهم .
كما دفع الأمر قطاع كبير من مواطني الإقليم الي عدم الإلتفات  الي ممارسة العمل السياسي ،أو عدم نشاط الحركات المسلحة المعارضة ، لينصب جل  تفكيرهم في الوضع الأقتصادي الجديد الذي أفرز نتائج كارثية مثل الإفلاس إقتصاديًا ،التفكك الإجتماعي و إرتفاع نسبة الأنفصال بين الأزواج ،  ظهور طبقة من بائعات الجنس اللائي كن يقبلن المقابل الضخم في شكل صكوك بنكية اَجله مقابل الجنس و لم يستطع هذه الطبقة في  تدوين بلاغات بمستحقاتهن  لأنهن لن  يستطعن إثبات مشروعية المقابل الذي قدمنه.
ماهي محصلة سوق المواسير؟  سؤال أجبنا علي جزئية منه في سياق العنوان و المقدمة لكن ما خفي أدهي و أمر ، فبتلك الخطة عرفت الحكومة حجم الأموال المتداولة في الإقليم ،و مصادرها و الشخصيات والمجموعات الأثنية المسيطرة علي النشاط الاقتصادي أو المتعاملة فيه ،  بصورة مجملة أدي ذلك إلي إتاحة الفرصة لها قراءة شاملة لمجمل إحداثيات الاقتصاد بالإقليم (قاعدة معلومات) كما يظهر أن أحد أهدافها  و محاولة إعادة توزيع إقتصاد السوق،  لكي تدفع مجموعات أخري من أثنيات ومن عضوية حزب المؤتمر الوطني للسيطرة علي  والنشاط الاقتصادي وتغير المشهد بكامله.
يثور سؤال هل نجحت الحكومة السودانية  في ما هدفت إليه  ؟ لا يمكن الإجابة بشكل قاطع لكن لكل جريمة نقطة ضعف ، فقد أستشعر المستهدفين بالخطة ، و استدعوا العقل مستندين علي خبرة تاريخية في التجارة العابرة للحدود،  بنقل أنشطتهم الي خارج السودان الي دول مثل : تشاد ، إفريقيا الوسطي ، جنوب السودان ، الصين، الأمارات العربية المتحدة، مصر، الكنغو ، أوغندا علي سبيل الأمثلة لا الحصر،  لتنفتح علي التجارة الدولية مراكمة خبرة جديدة و منضمة الي السوق العالمية التي تتعامل بالنقد الأجنبي.
كعادتها الحكومة السودانية في قصر نظرها ، ، فقد أنقلب السحر علي الساحر حيث فقدت الميزانية العامة العائد الكبير من حركة تلك  الأموال التي دفعت للعمل بالخارج ، لتداهمها الطامة الثانية بخروج 75% من عائدات النفط مع إنفصال جنوب السودان في 2010 بعد عام من كارثة (سوق المواسير).
الخلاصة لست مختصاَ في علم الإقتصاد لكن ما تم ارتكابه تحت مسمي سوق المواسير جريمة يمكن وصفها  ب(البلادة) في الإجرام ، فرؤوس الأموال التي تم تجفيفها من إقليم شمال دارفور كان يمكن لها أن تقلل الفجوة المتوقعة مع خروج عائدات النفط مع إنفصال الجنوب ، من ناحية ثانية ستربك حركة الاستثمار الأجنبي لأن دراسة السوق الاقتصادية تدور حول ( الإستقرار – الأمان- قلة المخاطر) .

ليست هناك تعليقات:

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...