الاثنين، 5 سبتمبر 2016

سينما الفاشر الوطنية ....(حظر التجوال رقيب الغياب )

( في 9 فبراير 2016م    ) طالعت في صحيفة الطريق الإلكترونية خبر أشار إلي أزالة سينما كلوزيوم بوسط الخرطوم ، جاء  الخبر تحت عنوان (العاصمة السودانية تجافي سكانها ليلاً بشاشات سينمائية مطفأة منذ عقدين)  عبر العنوان   في إحترافية عن  الحدث بل أستطاع أن يجرني إلي التفكير إلي أسئلة ملحة لماذا ؟ و ثم ماذا بعد ؟ و كيف حال امسيات مدن السودان التي تشابه حالها .
تشابك الإجابة علي مثل هذه التساؤلات التي تعلق بالذاكرة وجهت بوصله التفكير غرباً حميماً ليعانق الخيال مدينة الفاشر ، برغم مذاق الألم الذي تسرب إلي  مسارب ذاك الطيف الممتد أطلت سينما الفاشر الوطنية من موقعها بمحاذاة مسجد السلطان علي دينار شامخة كعهدها السابق  فما أن تحزم الشمس حالها نحو الغروب فذاك هو الميقات الذي يعبر فيه (ضوء) جهاو العرض الذي يمضي في مسار معاكس من  غرفة التشغيل (غربا) نحو الشاشة العرض الشامخة  (شرقا)  فذاك هو إعلان من  ( صالح تمساح) بغرفة التحكم إيذاناً بمشاركة   سينما الفاشر الوطنية رصيفاتها في مدن السودان الاخري  الدخول في عبق الامسيات  ( مع مراعاه فروق الوقت ) .
البرمجة الاسبوعية للافلام  في انتظامها  وطدت العلاقة بينها و الرواد  فظل يوم الخميس  توقيت ثابت لعرض الافلام العربية و هكذا كانت لافلام الأكشن و الهندية  (وعود وفيه)  في ذاكرة متعة محبيها ليس فقط لتسهيل الاجابة علي تساؤل اين تسهر اليوم؟  بل  عرض حال معلن  للمتعة القادة بتفاصيلها الصغيرة ،  ابطالها (الذين لا يموتون)  ، الخير الذي ينتصر علي الشر ، الإغراء الذي يسكن المشاهد و الخونة الذين يتم سحقهم .
الدرجة الأولي التي ظلت حجراتها تحوي ست كراسي  شكلت أحد المغريات للاسر  من عشاق السينما في قضاء أمسيات جميلة ، فهي في تنظيمها  ما يجعل الامر يتسم براحة البال فهنالك  المشرفون الذين يوجهون الي ارقام الصالات و الكراسي  موقع الكافتيريا بالطابق العلوي . أما الدرجة الثانية فهي الأكثر هدوءاً فروادها من الطلاب الذين يسمح لهم ذويهم بمعاودة السينما في عطلة نهاية الأسبوع ، الموظفين و فئات اخري ممن  تمكنوا علي تامين قيمة التذكرة وشراء التسالي و الترمس و السجائر .
لوحات الاعلان في الجانب الغربي من المبني  مثلت مؤشراً لتحديد الخيارات فقد ظلت السينما تمتلأ الي اخرها حين تشير العبارة اعلي ( بوستر) الفلم الي عبارة ( أول عرض)  أو تجوب عربة الإعلان تضاريس المدينة معلنة عن حفل ساهر للراحل( لزيدان ابراهيم ، حنان بلوبلو ، خوجلي عثمان ، خليل ابراهيم  ، بهاء عبدالكريم ، سميرة دنيا .............. ) فذاك حدث  يسبقه دوما الحرص علي  توفير قيمة تذكرة الدخول ، فالاحتفاء به يرتفع الي مقام الحرص لانه بمثابة كسر لروتين الحياة اليوماتي و رفد  الذاكرة باناقة التطريب و القلب بملامسة السلم فرواد السينما  من الفئات التي ظلت تعمق أوتاد المدنية في شريان الحياة اليومية ونهارات شوارع المدينة  .
لكل دار عرض كيميائها وتبعا لذلك ظل لرواد الدرجات المختلفة شارات تميزهم فالدرجة الشعبية  تعد الأقل سعراً ، أما روادها فهم  خليط لا يمكن تصنيفهم حسب معايير محددة فما يجمع بينهم هو علاقتهم بالسينما وفقاً لزاوية وقوف كل منهم فقد ظل  العم (أحمد) الذي يعمل ترزيا بالسوق الكبير ظل يحرص الي معانقة الشاشة يوميا رغم  بلوغ العقد السادس لم يشكل حائلاً من ذلك ، أما الأستاذ (سيد) المعلم بالمرحلة الإبتدائية فمسار حركته تبدأ قبل مغيب الشمس بقليل الي دار المعلمين الذي يقع علي الناحية الشمالية من السينما يفصله شارع بعرض قارب ال(10) أمتار لأداء فريضة المغرب قبل أن يدلف إلي الجلوس في مكانه المعتاد قبل بدأ العرض ، و كثيرون منحتهم تلك العلاقة الحق في الدخول دون الحوجة معاودة شباك التذاكر ، فتحية ذاك الرجل الأصم الذي ظل معلماً بازراً ببوابة الدرجة الشعبية الشمالية الذي غاب اسمه ليشتهر بإسم (الأطرش)  (فهو من ذوي الحاجات الخاصة)  كلمة السر للعبور الي الداخل .
تعمق العلاقة بين رواد الدرجة الشعبية و مقاعدهم الخشبية  تطورت الي أن اصبح الامر كالماركة المسجلة فصارت  تعلف باسماء روادها كما اكتسبت حصانة من عدم الاقتراب منها حتي في غيابهم   كان الامر يشكل تعديا علي مساحة خاصة بهم ، الا ان هنالك من يدفع بهم الحظ العاثر الي الجلوس في تلك الاماكن (الماركة المسجلة)  فذاك هو (اليوم الأسود) فحتما ما ينتهي الامر بعراك يتضامن فيه رواد (الشعب ) علي المتعدي او القادم الجديد خالي الذهن من (الحقوق التاريخية المكتسبة) ، فإن حدث فهنا يطرق اذنيك صوت  انين (تعيس الحظ) الذي شبع من الركل الضرب  ، ليس هناك وسطاء أو (حجازين) بتلك الدرجة فعدم العلم بواقع الحال لا سبيل معه (للظروف المخففة ) ،  الظرفاء من رواد تلك الدرجة ياخذون مواقعهم في دفع الحماس والتهويل كانهم مخرجيين سينمائيين يضفون بعض العبارات من خارج النص علي شاكلة ان يصيح أحدهم وهو جالس (كلتوه ، كتلوه ) فيرد اخر في دراما ( استغفررررر الله العظيم ) تمضي المجادعات من عشاق (تسخين الجو) فيرتفع تعليق  ( لا لا ياخ شيل السجارة من أضانوا) فيعلوا  الصياح ليستقبله اخر ( يمنفاح العجلة في راسو ) ، حين ينجلي الامر يكون ( سيئ الحظ) قد همد وقد قذف به الي جوار الباب الجنوبي  الطريق الي الخلاص او الخارج) .
في ذاك الصيف الذي عانقت فيه شاشة السينما روادها  الهندي المميز الذي عرف شعبيا ب( ابوشرارة) الذي   اقتربت  عروضه لتسكن امسيات  اغلب ايام الاسبوع فقد حرصت ادارة السينما علي امتاع جمهورها الامر الذي يحقق ايضا عائداً ماديا مميزاً قبل اعادة الفيلم الي المؤسسة الوطنية للسينما اصبحت الاحاديث تدور في التباري في عدد المرات التي شاهد فيها الرواد الفلم فذاك يباهي بحضوره للمره العاشرة و ذاك يذهب في سياق المبالغة قائلا (أنا اتحداك حضرتو (12) مره) ، يدور الحال سجلاً ليقنص عازفوا الاورغ بالمدينة الفرصة بتسجيل الموسيقي المصاحبة للفلم التي لم تقل روعة من احداثه فسرعان ما اصبحت تلك الموسيقي ضمن (النوتة) الموسيقية للحفلات

في 2003م حينما بدأ الصراع المسلح ، صفدت السينما بقيود حظر التجوال التي دفعت بها الي قلعة مظلمة بهت بياض شاشتها  قبل أن تمضي مصيرها القائم الذي أحالها إلي مخزن للغلال في ظل اعلان حظر التجوال الذي أجبر الأقدام علي الحذر و أحال الحال إلي (سجن كبير ) بينما تمضي نهاراته لتسلم الامسيات صدي الرصاص .

ليست هناك تعليقات:

عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)

أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...