الاثنين، 7 مايو 2018
حركة الأفريقانية والإسلام السياسي في غرب أفريقيا (غامبيا نموذجاً)
نشر بتاريخ : 17 فبراير 2017
- مصدر الصورة محرك البحث قوقل
مغادرة يحي جامع قامبيا
ستشرفت دولة غامبيا في 17 يناير 2017م تاريخاً جديداً بطي صفحة دكتاتورية الإسلام السياسي برحيل الرئيس السابق يحيى جامع، الذي امتدت فترة حكمه من 1994 -2017م وهو بجانب رئاسته للدولة يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة.
جغرافية الموقع تظهر من دولة غامبيا تبدو كلسان يخرج هازئاً من داخل دولة السنغال ممتداً ليعانق المحيط الأطلنطي، سيطر جامع على زمام السلطة بدولة لم يتجاوز عدد سكانها المليونان والثمانمائة ألف نسمة، شكل المسلمون فيها نسبة 90%. التغيرات السياسية في المحيط الإقليمي لغرب أفريقيا من نجاح الانتخابات النيجيرية والانتخابات في دولة بنين، صعود تيار الحقوق والمحاسبة بدولة السنغال الذي أفضى إلى محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين هبري بتهم تتعلق بارتكابه جرائم حرب في العام 2016م، أضف إلى ذلك صعود تيار البان أفريكانيزم ممثلة في الجيل الثاني من مدافعي حقوق الإنسان حيث تقلد الناشط الحقوق Prof Chidi Odinkaluo رئاسة مفوضية حقوق الإنسان بنيجيريا، كذلك المدافع والنشاط Sidiki Kaba الذي تولى وزارة العدل بدولة السنغال في 2013م ، وأيضا المحامي والمدافع السنغالي[1] Ibrahima Kane الذي ظل يعلن عن مواقفه الواضحة في دعم حركة الأفريقانية، وعدم التعويل على الدول الغربية في إحداث النقلة الديمقراطية في أفريقيا، كل ذلك تعد مؤشرات لفشل جهود دكتاتورية يحيى جامع في البقاء على السلطة في غامبيا.
شكلت تجربة غامبيا في التحول الديمقراطي تجربة جديرة بالدراسة والاستفادة منها في سياق التحولات المرجوة في الدول التي اقترنت فيها الدكتاتورية بالإسلام السياسي، من خلال سجل التجارب الانتخابية فقد عول جامع على عدم وحدة المعارضة ليفوز بسهولة في الانتخابات كسابقتها في العام 2012م، الأمر الثاني تمثل في إعلانه لغامبيا كدولة إسلامية في 12 ديسمبر 2015م في خطوة منحت تيار التحول الديمقراطي فرصة واسعة من الدعم الإقليمي، حيث شكلت تلك الخطوة تهديداً للأمن والسلم الإقليمي لغرب أفريقيا مقترنا بتمدد مجموعة بوكو حرام المصنفة كجماعة إرهابية في غرب أفريقيا انطلاقا من نيجيريا ومحاولات تمددها شمالاً وغربا نحو تشاد مما عزز التضامن الإقليمي في اتخاذ مواقف ضد غامبيا، الأمر الثالث أنه كغيره من الدكتاتوريات “يقرأ المكتوب بالقلبة” حين أعلن قبوله لنتيجة الانتخابات التي هزم فيها قبل أن يعود ويعلن سحب تصريحه وتمسكه بالسلطة. تجربة ساحل العاج في العام 2012م التي أجبر فيها الرئيس السابق Laurent Gbagbo على المغادرة عنوة من داخل غرفة نومه كانت بمثابة ميثاق لم يمر بمراحل المصادقة لكنه منح غرب أفريقيا الريادة في التحول الديمقراطي، بذل الرئيسان الغيني ألفا كوندي والموريتاني محمد ولد عبدالعزيز جهوداً في إقناع جامع بالمغادرة عقب خسارته للسلطة، وذلك لتتجنب غامبيا التدخل العسكري .
تجربة جامع تشير إلى كيف يمكن للدكتاتوريات أن تستنفذ كل تكتيكاتها في ظل ارتفاع مد التحول الديمقراطي، ثقافة الحقوق، واتساع نطاق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في مجال المناصرة للتحولات المختلفة. أسبغ جامع على نفسه سلسلة من الألقاب التي سبقت أسمه فهو (البروفسور، الدكتور، المهندس، والشيخ يحيى جامع). ادعى جامع أرفع الألقاب العلمية التي أشارت إلى حالة “تضخم الذات” التي اعترته لكي يثبت أنه جدير بالمكوث بالسلطة، بل ذهب في العام 2007م إلى ادعاء قدرته في علاج مرض نقص المناعة (الإيدز) ليربط بين الحاكمية الإلهية لجلوسه في السلطة وخصه بالمعجزات .
محاولات الاتحاد الأفريقي لتحسين حالة حقوق الإنسان بغامبيا تمثلت في جعل العاصمة بانجول تستضيف مقر المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، الآلية المعنية بمراقبة حالة حقوق الإنسان وتنفيذ الاتفاقيات الأفريقية في مجال حقوق الإنسان والفصل في المنازعات ذات الشأن، بين الدول، وبين الدول والأفراد في القارة، إلا أن ذلك ذهب أدراج الرياح حيث ظل سجل غامبيا يشير إلى صعوبة الوصول إلى العدالة والإنصاف، التدهور مستمر في سجل الانتهاكات؛ التنفيذ الواسع لعقوبة الإعدام دون ضمانات للمحاكمات العادلة، الاختفاء القسري وتدني مساحة حرية التعبير والتنظيم (وعلق الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت أموال المساعدات لغامبيا العام الماضي بدعوى “سوء سجلها بمجال حقوق الإنسان” وهي تحتل المركز 165 من بين 187 دولة بمؤشر الأمم المتحدة للتنمية)[2]
الحالة الاقتصادية بغامبيا ظلت تعتمد على الزراعة كمورد أولي بالإضافة إلى السياحة، فلم تقو غامبيا على الوقوف في وجه التحولات الاقتصادية في العالم من جراء العولمة فارتفعت تكلفة الحياة في وقت وجيز، ولا سيما بعد العام 2011م لم تفلح السياحة في رفد موارد الدولة بشكل أمثل لسوء إدارتها.
لم ينتبه جامع إلى ارتفاع مد الوعي نحو التحول الديمقراطي فحاول التخندق بالرفض لكنه تفاجأ بالقوات السنغالية على حدود دولته لتمهله أربع ساعات للمغادرة، ليغادر مجبراً تاركاً كل ألقابه كي يتسع الحيز لحمل أمواله التي سُمِح له بأخذها معه، إلى جانب ذلك فقد غادرها بعد أن عزفت له الموسيقى الرسمية للدولة قبل صعوده للطائرة، ليقدم الشعب الغامبي نموذجاً في الوعي فتلك الموسيقى لم تكن لوداع جامع بل استقبالا مجيداً للتجربة الديمقراطية السلمية.
تضاءل الخيارات أمام جامع جعله يختار دولة غينيا لينجو من الخضوع للمحاسبة على الانتهاكات التي حفل بها سجل حكمه، اختياره لتلك الدولة ظناً أنه في مأمن أمر سيحسمه الزمن فالرجل يراهن على تدهور العلاقة السياسية بين غينيا بيساو وفرنسا، جرائم التعذيب والاختفاء القسري ستظل هي الكوه التي تفتح ملفات المحاسبة وإن طال الزمن.
الهوامش
[1] رئيس غامبيا يعلن بلاده جمهورية إسلامية ، الجزيرة نت ، 12، 12 ، 2015 م.
[2] Open Society Foundation, Director of Advocacy of African Union.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
عبدالكريم "أبوسروال" : وداعك علي خاطر الإنتظار (5-5)
أبوذكيه الذي بدا حياته بالنقل البحري لينتهي به الحال تاجرا بالكنغو تتردد سيرته كثيرا، سالته يا عبدالكريم قالوا كنت من السواقين بين الكنغ...
-
المشهد الثقافي بجنوب السودان ذاكرة الإبداع و تحولات الراهن (2-2) جيل الاستقلال ، الثراء و التنوع : السياسات السودانية التي أعقبت...
-
يشهد التاريخ المعاصر للدولة السودانية للدكتور حسن عبدالله الترابي عرّاب الحركة الإسلامية السودانية ومفكرها الذي دفع في العام 1986م...
-
تماس: فاجأوني دموع مطروني* : نشر بتاريخ : 15 ديسمبر 2018 شكل العام 2011م احدي المحطات المهمة في سياق التاريخ السياسي السوداني، لإقترانها بإ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق