بقلم
: محمد بدوي
(1)
شكل العام 1983م محطة هامة في
تراجع تطور القوانيين السودانية بإعلان قوانيين الشريعة الإسلامية أو ما عرف علي
نطاق واسع ب( بقوانيين سبتمبر ) التي أعلن بموجبها تطبيق جرائم الحدود التي علمت
علي التوسيع في النص علي العقوبات الجسدية و السالبة للحرية ، الدوافع السياسية
لتلك القوانيين تكشف دون عناء في إعلان الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري إماماً
للمسلمين ، مهد ذلك للاحقه قوانيين 1991 أن تسير
علي خطي سابقه بل تمت صياغة قوانيين و تطبيقها بطرق إيجازية إقترنت الممارسة فيها بالمخالفة لمعايير
المحاكمة العادلة نسبة لدوافع سياسية
للمرة التانية مثل "قوانين النظام العام " ، حملت إتفاقية السلام الشامل
بين الخرطوم و الحركة الشعبية لتحرير السودان 2005م فرصة تاريخية حيث نصت الفقرة (3-1-1) [1]"يجب
أن تتوافق جميع القوانين مع الدستور القومى" لكن عدم التنفيذ الكامل
للإتفاقية لم يتم تعديل القوانيين التي ظلت فلسفتها تتسق مع قوانيين سبتمبر دستور
التوالي 1998 ( الحاضنة الدستورية لفلسفة الإسلام السياسي ) ،
(2)
تطور القوانيين ياتي وفقاً لما
يطرأ من تطور في حياه المجتمعات بغرض الاستجابة لتنظيمها ، حفظ أمنها ,خصوصيتها
وغيرها من الحقوق لكن في الحالة السودانية
تراجع الامر علي عده مستويات لاسباب كثيرة
علي سبيل المثال لا الحصر البداء بالفصل
التعسفي للعاملين في الحقل القانوني من غير الموالين للحزب الحاكم مما أحدث أنفصاماً في تطوير تجربة العدالة في السودان ، سياسة
التمكين التي حملت الموالين للسلطة الي تلك المناصب بما نتج عنه في إحدي مراحله
سيطرة القضاه الشرعيين علي العمل و تطابق نظرتهم مع الخطاب السياسي الرسمي المتسم
بالرفض والعداء لمفاهيم و حزم حقوق الإنسان و التحصن خلف تبريرات مخالفتها لجوهر
العقيدة الدينية و تمظهرها كنفوذ ثقافي غربي يسعي لطمس هوية الامة .
(3)
حادثة تاييد إدانة الطالبة
الجامعية ذات ال 19 عاماً ( التي تم عقد قرانها في سن 16 عاما) [2]بمخالفة
المادة 130 من القانون الجنائي لسنة 1991 القتل العمد من قبل محكمة -الاستئناف في 10 مايو 2018 بعد ادانتها من من قبل محكمة
اول درجة في يوليو 2017 جاء ليشكل سابقة سالبة وخطيرة في الممارسة المرتبطة
بالعدالة في كل مراحلها ابتداء من التحري ، حيث أن سبب ما حدث استعانة الزوج باخرين " لمعاونته
" علي أغتصابها بعد رفضها معاشرته جنسيا
، إفتراض علاقة الزوجية سبباً لاباحة ممارسة العنف يتعارض مع القانون
الجنائي السوداني 1991 م وكذلك قانون الاحوال الشخصية الذي يبيح التطليق للاذي كسبب ،من ناحية ثانية فقد خالف الدستور
الي جانب وخالف وثيقة اعلان القضاء علي العنف ضد المراة المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قراره
رقم 48/104 [3]، و الذي من ضمن سياق
تعريفاته للعنف ضد المرأه : (عنف
جسدي والعنف البدني والجنس والنفسي الذي يحدث
في إطار الأسرة بما في ذلك الضرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث ، و العنف
المتصل بالمهر ، و اغتصاب الزوجة ، و ختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية
للمرأة ، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال)
(4)
بداهة إستعانة زوج بأخرين
لمعاومنته في السيطرة علي زوجته أمر لا يقبله
الوجدان السليم ،إستخدام العنف في السيطرة ويعني ذلك مخالفة قانونية اغفلها
التحري في سياق هذه القضية لا يمكن اثباته
الا بقرار طبي لان تفاصيل ما حدث يجعل من الذين استعان بهم الزوج يواجهون تهمماً تحت القانون الجنائي لما لما
قاموا به تجاه المجني عليها نفسيا و
بدنياً التي تجدر الاشارة اليها ( كمجني عليها في هذا الحيز ) فالمشرع السوداني في المادة 149 الاغتصاب لم
يجعل من علاقة الزوجية سبب( أباحة ) للمارسة الجنسية غصبا و بالاستعانة باشخاص
اخرين للمعاونة (وكانت نورا قالت في المحكمة إن ذووي زوجها زاروهم قبل يوم من الحادثة
وقاموا بضربها وقام المجني عليه بأخذ حقه الشرعي منها بالقوة)[4]
(5)
في تقديري قرار المحمكة الذي ذهب
الي ادانة المتهمة ( نورا حسين ) قد أغفل أن من خصائص القانون التي تدرس في
المحاضرات الاولي لطلاب القانون منها
العمومية والتجريد لكنه قررالانحياز الي الشائع من ثقافة خاطئة مرتبطة بمفاهيم
الانحياز الذكوري الذي يتصل باثبات أفعال "الفحولة " التي تندرج تحت
التباهي المجتمعي في الثقافة الجنسية التي تجعل منها معركة بين أمراة و رجل يظل
فيها الرجل هو الذي يلعب دور البطل علي الدوام ، القانون في فلسفته يستند علي قواعد الاخلاق التي تقبلها
المجتمعات و منها الخصوصية التي ترتبطب بمارسة الحياه بشكل عام سواء في الفضاء
العام أو الخاص ، يتفرع من الخصوصية الحق في الاختيار الذي ينبني علي "إحترام مبدا الكرامة
الانسانية " ، في حالة هذه القضية كان الجديدر بالنظر الي جانب الانتهاكات
التي تمت في مواجهة (المدانة ) استصحاب الظروف المحيطة والمرتبطة بالانسان كحالة
علي سيبل المثال ( الخوف ، المرض ، فقدان الرغبة في لحظة من اللحظات ، العجز عن
التعبير الصريح عن السبب ) وغيرها لكن بقرار المحكمة تتحول المعاشرة بين الازواج فعل
يشوبه الضرب بما يسقط عنها أية سمه
إنسانية و يبيح إنتهاك الخصوصية بشكل عام و علي الوجه الخصوص ياتي مسنودا بسابقة قضائية في حال الممارسة
الجنسية ليبيح "الاغتصاب الزوجي
" في مفارقة مثيرة للاستغراب ففي [5]الاول
من سبتمبر 2017 شرع المشرع السوداني عقوبة
السجن سنه علي الازواج الذين ينتهكون
خصوصية وسائل التواصل الاجتماعي لبعضهم اليس الامر مدعاة للحيرة ان تحترم خصوصية التواصل ويباح انتهاك الكرامة بين الازواج ؟
(6)
بتتبع قرار تأييد الادانة يمكن بكل سهولة القول بأن قصور الاجتهاد في
التطبيق السليم أو الصحيح للقانون هو ما شكل عقيدة القاضي الذي اشار الي عدم استفادة
المدانة من الاستثناءات الواردة في القانون الجنائي ، حيوية تطبيق العدالة لا ياتي
بالنظر الي النصوص من زاوية الجمود بل الاجتهاد واعمال الوجدان السليم فالقانون لم
يتطور الا بالممارسة و اشير هنا الي
السوابق القضائية التي مثلت في كثير احيان جهد بشري خلاق اضاف الكثير الي التطبيق
الصحيح للقانون ، لكن يبدو ان الامر احدي محصلات التدهور الذي شاب الممارسة و الذي
يفرض بقوة النظر الي اصلاح شامل لكي يؤدي القانون دوره في حماية الافراد والمجتمع .
(7)
اخيرا بالاعتماد علي افادة احد
الشهود بان الطرفين علي علاقة منذ 3 سنوات عمادها الحب اليس من باب الاستفزاز ان يقدم احد اطراف علاقة بهذا الوصف علي ما لم
يكن يخطر علي بال الطرف الثاني من معاملة
انتهكت القانون والاخلاق ؟ بل دعونا نذهب اكثر ان كانت تلك الحادثة الاولي فكيف
كان سيكون مصير الممارسة الثانية هل ستتم بالاستعانة بالحبال لتقيدها ؟، الجنس ليس
عملية مكانيكية ، بل عماد الحقوق المتساوية و المشتركة لانها في الاساس ممارسة
مشتركة لا تتحقق بطرف دون الاخر الا و تغير المسمي الي فعل اخر ، العنف و "الفتوة" الفعلية واللفظية
المرتبطة بالمجتمعات في سياق الحديث عن الجنس ظل يطلق في سياقات لا تعتد بالمساواة
و لا تعترف بالاخر ، فإن كان هنالك ما
يجعل الاصلاح القانوني أمر ملح فيجب الا يقتصر علي النصوص بل يجب الانتباه الي
التاهيل المهني الذي صار يستسهل النظر الي
النتائج و اغفال الاسباب . .
[2] - وفقا
لمنظمة العفو الدولية في بيانها بالللغة العربية المنشور بصحيفة الراكوبة
الالكترونية 11 مايو 2018 (منظمة دولية تدين إعدام سودانية قتلت زوجها
في شهر العسل –عاشرها بمساعدة اقربائه) .
[4] - تطورات جديدة في محاكمة (نورا) المتهمة بقتل زوجها طعناً
بالسكين- قام بمعاشرتها عنوة مستعيناً بأقاربه –صحيفة الراكوبة الالكترونية 10
مايو 2018
[5] - قانون جرائم المعلوماتية
السجن عامآ لاطلاع أحد الزوجين علي هاتف الأخر دون إذن – م…- سودانية 24 – 1
سبتمبر 2017 .
مصدر الصورة محرك البحث قوقل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق