ليس ثمة ما يقدح في أن يشارك المجتمع الإقليمي أو الدولي في التدخل لفض النازعات سلميا و عسكريا في مقام (حفظ السلام) طالما أن علاقات الدول أفضت بعد مخاض طويل الإصطفاف في منظومات (إقليمية و دولية ) , رتبت إلتزامات و خلقت واجبات فأفرزت تبعاُ لتلك (الإلتزامات) عن مبادى صارت معها وضعية الدول التي (تعجز) عن فض نزاعاتها ليس لها من سبيل سوى الإذعان لما يصدر من قرارات إحتراما لتعهداتها كدولة من ناحية ’و إلزاما من أجل حفظ السلام والامن الدوليين من جانب اًخر.
تقف الحكومة السودانية شاهداَ على ذلك بتدخل المجتمع الدولي والإقليمي في إقليم دارفور الملتهب منذ العام (2003) و منطقة (أبيي ) المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان.
إضافة الى الخبير المستقل لحقوق الانسان الذى خول له التفويض الممنوح له من مجلس حقوق الانسان تحت البند العاشر بأن يقدم مساعدات تقنية لجمهورية السودان مما يتيح له زيارة السودان و زيارة المناطق التي يزعم بوجود انتهاكات لأوضاع حقوق الانسان .
بالنظر الى الفقرة أعلاه و أمعان (النظر ) إلي خارطة السودان يمكنا القول بأن غالبية الأراضي السودانية باتت مسرحا مفتوحا للتدخل باستثناء شرق السودان الذى تزداد فيه وتيرة إنتهاكات الإتجار بالبشر بصورة مزعجة وفقا للتقارير التي صدرت من بعض المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان مثل منظمتي (العفو الدولية – و هيومان رايتس وتش ) . ومن جانب اَخر ترتفع فيه وتيرة التذمر من جراء تعثر تنفيذ اتفاقية الشرق 2006 بين الحكومة السودانية و جبهة الشرق (تنظيمي الأسود الحرة و مؤتمر البجا).
إنطلاقا من مبدأ التدخل المشروع لتلك المنظومات صدر القرار رقم 2046 الصادر من مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بالنزاع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان , و التي سار فيها مجلس الأمن في ظل سياسة التجزئة و التفاضل بعيدا ً عن الحل الشامل للأزمة السودانية , وهو خطأ تراكمي يضاف الى ما سبقه من أخطاء أضافت مزيدا من الحطب على النار قبل أن تذهب أدراج الرياح.
فاتفاقية الدوحة التي ظل المجتمع الدولي ينظر اليها كمثال أخير لحل أزمة إقليم دارفور (وقعت بين الحكومة السودانية و حركة التحرير والعدالة ) في 2011 لم تثمر سوى صفر كبير . فعقلية المجتمع الدولي التي ظلت تنظر الى كأزمات السودان منفصله أنما تسعى لإنفاذ تجربة غير مجدية وهو العلاج (بالقطاعي ) .
فالسودان وطن رغم اتساع مساحته بديهيا هنالك ما يربطه بأواصر وثيقة ؛اثنيا, ثقافياً, سياسياَ وقبل ذلك (أسباب الصراع) , و لعل أحد الروابط (الأولية) التي إذا نظر إليها المجتمع الدولي من زاوية إنسانية فقط لأدرك أن هنالك (وجدان مشترك) بين كل المكونات السودانية .
لذا فلايمكن تجزئة الحلول لأن الوجدان غير قابل(القسمة ) أو (المفاضلة). لكن لأن المدخلالأساس يبنى على مصالح إقليمية ودولية و ينطلق من زاوية نظر سياسية محضة أصبح السودان معمل تجارب لنظريات لا تتواءم مع أس (الحاصل) في الواقع .
أعود لموضوع المقال هو تعاطى المجتمع الدولي والإقليمي مع أزمة منطقتي النيل الازرق وجبال النوبة ’ فبجانب ما أشرت إليه من خطل المدخل في قرار مجلس الامن الدولي’ بأن عزل تلك الازمة لتحل بعيدا عن الحل الشامل لمجمل الأزمة السودانية دون الإلتفات الي أنها نتاج مباشر وأبن شرعي لاتفاقيه السلام الشامل (2005 )بثنائيتهاهي من أنتجت ذلك ’ فالراجح بالسير في خطى ذلك القرار (2046 ) هو ميلاد أزمة أخرى قد تكون (جنوب جبال النوبة و جنوب النيل الازرق ) .
النقطة الثانية:هي ضعف دور الوسيط الأفريقي الذى في الأساس يجب أن تكون قدراته ’وأعنى بها هنا تعاطيه مع الأزمة بما يتسق و (حجمها ) و (تعقيداتها) في أن يكون محايدا و ذو حكمة و قدرة للدفع بطرفي التفاوض الى الأمام و لو بالحد الادنى , وذلك باتخاذ مواقف واضحة , مهنية وشفافة لكن ظلت مواقفه تشير الى إنه أقل (قدرة ) و أضعف (مهنية) وندلل على ذلك بالاتي:
أولاً : الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير السودان وقعتا تحت وساطته المباشرة في28 فبراير 2013اتفاقية عرفت باتفاقية (نافع – عقار) تم تمزيقها بواسطة حكومة الخرطوم في لمح البصر’ بديهيا و يدرك الوسيط إن تمزيق تلك الاتفاقية يعنى عدم رغبة الحكومة السودانية في الحل. وبالتالي عدم احترامها للوسيط , الا أنه لم يحرك الوسيط ساكناَ فالمهنية و الشفافية كانتا تلزمانه بتوضيح لموقف الوساطة مما حدث , لحد أدنى من التقدير لضحايا الانتهاكات في المناطق التي يشملها التفاوض, كما تحتم المهنية علي الوسيط أعلانا واضح لخطة الوساطة في حل الأزمة و السقف الزمني لذلك لأنه يعى تماما تشعبات الازمة و ارتباطها بالمساعدات الانسانية .و الموت أما قصفا بالطائرات أو جوعا داخل الكهوف , و تلك الخطوات من الناحية المهنية تفتح الطريق لإجراءات أو مواقف أخري تجاه تعنت اطراف التفاوض.
كما أن الجدول الزمني يشير الى اهتمام الوساطة بالزام طرفي التفاوض الي الالتفات الجاد الى معاناة الضحايا .
ثانياً: الموقف الثاني هو صمت الوسيط إزاءالمحاكمات الجنائية الغيابية لرئيس أحد طرفي التفاوض السيد مالك عقار و الناطق الرسمي وكبير المفاوضين السيد ياسر عرمان من قبل الطرف الًخر (الحكومة السودانية)
من واجبات الوسيط الأولية تهيئة طرفي التفاوض شرط أولى بديهي لكن أن يتجاهل هذه النقطة ويقفز الى ما بعدها فقد تعنى عدم إلمامه بتعقيدات الأزمة وهى مشكلة تقدح فى قدرته مقارنة بالأزمة أو مدرك لها لكنه يتجاهل ذلك فهي ايضاً مصيبة .
و حتى لا نوصف بتوزيع الاتهامات المجانية فالوسيط بالضرورة على أتصال بطرفي التفاوض خارج القاعة و بالتالي يفترض جزما أنه على علم بكل تفاصيل الأزمة .
فلا يستقيم عقلاً أن يصل أي طرفي أزمة لحلول و لو جزئية و أحد طرفيها يتعامل مع الطرف الاخر (طرف فى التفاوض ) و حينا ( مجرماَ) فأن لم تكن هنالك أرضية صلبة يقف عليها الطرفين فلا مجال للوصول الي حل و هنا يظهر بجلاء دور الوسيط فى خلق ذلك .
ختماً أن ظل السيد (أمبيكى وفريقه) يواصلونفي ذات النهج فأنه حرث في البحر فالأجدر أما أن يصبح شفافاَ و مهنيا في تعاطيه مع المسالة أو سيجد نفسه مورطا باعتذار واضح للضحايا الذين أرتضى أن يصبح (وسيطا) في حل أزمتهم و هو (يدري بأنها أكبر من حدود قدراته أو لم يتعامل معها تستحق من شفافية و مهنية ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق